القائمة الرئيسية

الصفحات

طارق محمد المغازي.. نقيب المحامين في بلقاس الذي صعد بالحب والتواضع إلى قمة الاحترام

القاهرة : الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر 

في قلب مدينة بلقاس بمحافظة الدقهلية، حيث تختلط الجذور الطيبة بملامح الأرض الطيبة، وتتقاطع حكايات الناس مع معاني الجدعنة والمروءة، يبرز اسم لا يُذكر إلا مقرونًا بالاحترام، ولا يُستدعى إلا بحالة من الفخر الشعبي، ذلك هو الأستاذ طارق محمد المغازي، نقيب المحامين ببلقاس، الرجل الذي لم يدخل قلوب الناس بالقوة، ولا تسلل إلى عقولهم بالألقاب، بل مشى إليهم على قدمي التواضع، وابتسم لهم من فوق منبر المحبة، وسار بخطى راسخة نحو مكانة لا تُصنع بالصوت العالي بل تُنسج بخيوط الثقة والصدق والمواقف الحقيقية.

منذ سنوات طويلة وهو يُمارس المحاماة بضمير حي، لا ينام على مظلمة، ولا يتغافل عن حق، ولا ينحاز إلا للعدل، فصار في نظر موكليه ليس مجرد محامٍ، بل صمام أمان، وإذا ما ذُكر اسمه بين أهل بلقاس قالوا فورًا: "ده راجل ابن بلد، بتاع واجب، ووشه خير"، لأنه قبل أن يعتلي كرسي النقابة، كان واحدًا منهم، يسير في الشارع كأي مواطن، يستقبل الناس في مكتبه بصدر مفتوح، ولا يرد سائلًا، ولا يغلق بابه أبدًا في وجه محتاج، حتى ولو لم يكن بينهما قضية أو أوراق، فهو من طينة الرجال الذين يعرفون أن القانون لا ينفصل عن الرحمة، وأن النقيب لا يكون نقيبًا بالكراسي، بل بالفعل والسيرة والسند.

وإذا ما تأملت مسيرته النقابية، فستكتشف أنها لم تكن حملة انتخابية بقدر ما كانت حالة حب، لأن الأستاذ طارق لم يرشح نفسه لينافس على منصب، بل نزل إلى الميدان كمن يرد الجميل، كمن يريد أن يرد ولو قليلًا من الوفاء للمكان الذي ربّاه والناس اللي صدّروه، فكان فوزه نصرًا للطيبين، وصوته في الجمعية العمومية صار صدى لقلوب زملائه، ينقل شكواهم ويعبّر عن طموحاتهم، ويقاتل من أجل حقوقهم بكل وعي وهدوء واتزان.

لم يكن يومًا متكلفًا، ولا جعل من هيبته حاجزًا بينه وبين أحد، بل العكس، كل من اقترب منه وجده إنسانًا بسيطًا، يتحدث بلغة قريبة، ويستمع باهتمام بالغ، ويُعطي من وقته الكثير دون أن يشعر أنه مشغول عن الناس، ومَن يعرفه عن قرب يدرك أنه واحد من القلائل الذين يستطيعون الجمع بين قوة الموقف ودفء الروح، بين صرامة المحامي وتواضع الصديق، بين احترام المنصب وبساطة الرجل الشعبي.

وفي قاعة المحكمة، تجده مهابًا لا يرفع صوته، لكنه يُقنع الجميع بحجته، ويقف خلف موكله بكل ما يملك من أدوات قانونية وشخصية، لا يراوغ ولا يتاجر بقضية، لأنه يعتبر كل ملف بين يديه أمانة، وكل كلمة يقولها تحت سقف العدالة مسؤولية أمام الله قبل أن تكون أمام القاضي، لذلك تجد زملاءه يصفونه بأنه "محامٍ على خلق"، وتجد خصومه يحترمونه حتى لو اختلفوا معه، لأنهم يعرفون أنه لا يضرب من تحت الحزام، ولا يستخدم القانون وسيلة للتهرب، بل يستخدمه سلاحًا للدفاع عن المظلوم فقط.

وما يميز الأستاذ طارق محمد المغازي أيضًا، هو حرصه على تكوين جيل جديد من المحامين، يحمل نفس القيم ونفس الأخلاق، لذلك لا يبخل بالنصيحة، ولا يحتكر المعرفة، ودائمًا ما يكون بجوار المحامين الشباب، يدعمهم، يوجههم، يقوّيهم، لا يغار من تألق أحد، ولا يخاف من بروز وجه جديد، بل يفرح بنجاح زملائه وكأنهم أبناؤه، لأنه يدرك أن قوة النقابة من قوة أعضائها، وأن يدًا واحدة لا تصفق، بل الأيادي مجتمعة هي من تصنع الهيبة والتاريخ.

وعلى الرغم من مسؤولياته الكثيرة كنقيب، إلا أنك تراه حاضرًا في كل المناسبات، لا يتأخر عن واجب عزاء، ولا يغيب عن فرح أحد، ولا يتوانى عن مساندة أي زميل في أزمة، وكأن قلبه شبكة علاقات إنسانية لا تنقطع، يسعى في الخير، ويسأل عن الغائب، ويقف مع المحتاج، ويُشعِر الجميع بأنه ليس نقيب محامين فقط، بل نقيب قلوب، وسفير المحبة، وبوصلة للعدل والإحساس بالناس.

وإذا سألت أهالي بلقاس عنه، ستسمع منهم ما لا تستطيع الأقلام حصره، ستجد من يقول: "ده ابن أصول"، وآخر يقول: "واقف دايمًا جنب الغلابة"، وثالث يقول: "ده وش السعد على المحامين"، لأن الحقيقة أن حب الناس لا يُشترى، ولا يُصنع في حملة دعاية، بل يُبنى على مدار سنين من المواقف والكلمة الطيبة والاحترام المتبادل.

وفي النهاية، يمكننا أن نقول إن الأستاذ طارق محمد المغازي هو مثال للمحامي الذي لم تنفصل إنسانيته عن مهنيته، وهو نقيب لم يخن ثقة زملائه يومًا، وهو إنسان عرف أن القانون لا بد أن يُمارس بأخلاق، وأن القوة لا بد أن تكون مغموسة في الرحمة، وأن القيادة هي مسؤولية لا وجاهة، فصار رمزًا في مدينته، وقدوة لجيله، وشعلة أمل في زمن يحتاج إلى النماذج النظيفة، وربما كانت بلقاس محظوظة بهذا الاسم، لأنه أعاد صياغة معنى "النقيب"، وكتب في دفتر الزمن أن الكبار ليسوا بأصواتهم، بل بأثرهم، ولا بمناصبهم، بل بمحبتهم، وتواضعهم، وإخلاصهم.

تعليقات