هنا نابل بقلم المعز غني
ليلة نابلية أندلسية المذاق، صوفية الروح، أسدل بها مهرجان نابل الدولي في دورته السابعة والثلاثين ستاره على ركح مسرح الهواء الطلق "المنصف قرط". كان الموعد مع عرض “المقام” لسلاطين الحضرة بإمضاء المخرجة أميمة الطرابلسي؛ إحتفاء بالتصوف بما هو إنعتاق للنفس في بحر من الصفاء والوصل، فلسفة موسيقية صافية نزجت بين عبق الزوايا وسكينة الحس النابلي.
ليلة أجتمع فيها الجَمعُ على إختلاف أجيالهم ليصبح المهرجان قبلة للمدد الروحي والوجداني، تتخلله العزفات الحية، والذكر، والإنشاد، مع إيقاعات الربوخ والتخميرة التونسية الأصيلة.
كان لجمهور نابل موعد مع إستحضار الذاكرة الجماعية؛ ذاكرة تعود بنا إلى تاريخ طويل من العطاء الصوفي والفني، حيث تزدهر المدينة بعشاق الطرب والموسيقى والصفاء الروحي.
إمتزجت الأغاني الروحانية بعطور المكان وألوان الجمهور المتعطش للفرح. حيث سافرنا مع فرقة "سلاطين الحضرة" بين سطور قصائد قديمة وحديثة، حملتنا الأصوات والألحان إلى تخوم التصوف، تستثير فينا سؤال الوجود وخلود الرسالة الفنية فيه.
على ركح مسرح الهواء الطلق بنابل، كانت الفرقة كأنها تقود طقسا جماعيا لإحياء الذاكرة والوجدان، تتسرب الأنغام من الحناجر العذبة فتلامس القلوب، تراقص أوتار العود والطبلة، يصطف الحاضرون في محراب الذكر، يرددون الأهازيج كأنهم يبحثون عن لحظة إنكشاف ومحبّة مطلقة.
يُحسَب لهذا العرض الذهاب بعيدا في إستبطان التراث الصوفي التونسي من داخل نابل، ليُعيد صوغ الأصوات والآلات بتناغم يزاوج بين الكلاسيكية والمعاصرة.
هنا، لم تكن الموسيقى مجرد ترف روحي، بل كانت وسيلة لهندسة اللحظة والعودة بالحضور إلى الجذور، إلى زمن كان الموسيقى فيه ضربا من العبادة.
في ثنايا الإحتفال بالعرض، شهدت السهرة التفاتة وفاء؛ إذ كُرّم الفنان الكبير جعفر القاسمي كضيف شرف على المهرجان ومجموعة من رواد وداعمي المهرجان، في تثمين للأسماء التي منحت السخاء لهذا الحدث الثقافي وأمنت له إستمراريته وعبوره للأجيال.
وشرفنا بالحضور كل من السيد محمد الهادي الشعباني( معتمد نابل المدينة ) - السيدة نجوى الغربي ( المندوبة الجهوية للشؤون الثقافية بنابل) - السيد أنور المرزوقي ( النائب الأول لرئيس مجلس نواب الشعب) - السيد المعز بالرقشة ( الكاتب العام المكلف بتسيير شؤون بلدية نابل) - السيد أحمد قارة علي ( عضو مجالس الجهات والاقاليم) والسيد سامي الرايس ( عضو مجلس نواب الشعب ).
هكذا كانت نابل في ختام مهرجانها: مدينة للفن والروح والفرح، تثبت عاما بعد آخر أنها، رغم التحولات والتحديات، ما زالت ملاذا يلتقي فيه الحلم بالأصالة، وتبتسم فيه الموسيقى لذكريات وحنين شعبها.
في “المقام”، تجلّى النور على ركح مسرح الهواء الطلق بألوان نابلية نابضة: صفاء، وجد، ونشوة إحتفال، وكأن المدينة بأسرها تعود إلى ذاتها في نهاية الصيف لتستودع الفرح وتجدّد العهد مع الجمال.
بهذا العرض، يواصل مهرجان نابل الدولي رسم ملامح مدينة منصتة لنبضها، فخورة بموروثها، ووفية لروّادها، ليظل المسرح فضاءً للألفة والاحتفاء بالحياة والفن، وتبقى نابل أبدًا مدينة للصفاء: حيث يلتقي المحبون في حضرة الحضرة، وعطر النغمة لا يغادر الزمان ولا المكان.
تعليقات
إرسال تعليق