الإخبارية نيوز :
بقلم : نبيل أبوالياسين
بينما تقصفُ مشاهدُ الإبادةِ الجماعيةِ شاشاتِ العالم من غزّة، ويغلي الشارعُ السعودي غضبًا، "تتقدم المملكةُ العربية السعودية في الصفوف الأمامية لمعركة الدبلوماسية التاريخية: إقامة دولة فلسطينية" هذا التحوّل الاستراتيجي يطرح سؤالًا مصيريًا: هل هو نداءٌ لإيقاف نزيف الدماء الفلسطينية، أم رهانٌ سياسيٌّ تُحاك خيوطه في دهاليز السلطة؟ وتبقى الحقيقةُ المريرة: دماء الأبرياء ثمنٌ لكل تأخير.
السعودية والمبادرة العالمية لحل الدولتين
بدأ التحرك السعودي الفعّال نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية منذ عام تقريباً، حيث أعلنت المملكة بالتعاون مع النرويج في سبتمبر 2024 عن "تحالف عالمي لتنفيذ حل الدولتين". هذا التحرك الدبلوماسي أثمر عن اجتماع في ديسمبر 2024 صوتت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح حل الدولتين، ثم مؤخراً، ترأست السعودية وفرنسا مؤتمراً حول الموضوع. هذه الجهود تأتي في إطار ما يراه البعض فرصة حقيقية للسلام، بينما يصفها آخرون بأنها "حيلة دعائية" لتلميع صورة المملكة في أعقاب انتقادات حقوق الإنسان."
إعلان نيويورك: وثيقة تاريخية بلمسة سعودية
أسفر المؤتمر الأخير عن وثيقة "إعلان نيويورك" المكونة من سبع صفحات، وقعت عليها جميع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، إلى جانب الاتحاد الأوروبي و17 دولة أخرى. الوثيقة تدعو حماس إلى نزع سلاحها وإطلاق سراح الرهائن، وفي المقابل، تدين "هجمات إسرائيل ضد المدنيين في غزة" والحصار الذي تسبب في "كارثة إنسانية مدمرة". هذا الإعلان، الذي يعتبره الخبراء اختراقاً دبلوماسياً، يعود الفضل فيه بشكل كبير إلى الجهود السعودية والفرنسية المشتركة.
دوافع السعودية: إحياء مبادرة السلام العربية
قد يبدو التحرك السعودي الحالي جديداً، إلا أنه في الحقيقة إعادة إحياء لمبادرة السلام العربية التي قدمها الملك عبد الله عام 2002. حينها، وافقت الدول العربية على التطبيع مع إسرائيل شريطة إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية وإقامة دولة مستقلة. تراجع المبادرة لاحقاً بسبب أحداث الربيع العربي واتفاقات أبراهام، لكن الوضع الراهن في غزة، بما فيه من دمار ومعاناة إنسانية، دفع السعودية لإعادة تأكيد موقفها وقيادة الجهود الدبلوماسية.
المصلحة السعودية: استقرار إقليمي ونفوذ عالمي
لا يمكن فصل الدوافع السعودية عن مصالحها الاستراتيجية. فالرياض تدرك أن الاستقرار الإقليمي ضروري لتحقيق رؤيتها 2030 وتنمية اقتصادها بعيداً عن النفط. كما أن قيادة هذا الحراك الدبلوماسي يعزز مكانتها ونفوذها في العالم العربي والإسلامي، ويعطيها "رافعة سياسية" في مفاوضاتها مع الغرب حول الطاقة والأمن. هذه التحركات تهدف إلى وضع المملكة في موقع القيادة ضمن "بنية ما بعد الحرب" في الشرق الأوسط.
خطة نتنياهو لاحتلال غزة ومعارضة دولية
في الوقت الذي تسعى فيه السعودية لحل الدولتين، تجتمع الحكومة الإسرائيلية لبحث خطة نتنياهو لاحتلال غزة بالكامل، وهي خطوة لقيت معارضة من قادة الجيش وخبراء دوليين. هذه الخطة، التي تنطوي على تهجير مليون فلسطيني، أثارت تحذيرات من الأمم المتحدة بشأن "عواقب كارثية". في المقابل، تواصل الولايات المتحدة - في عهد ترامب - دعمها لإسرائيل، مما يضع مصداقية المبادرة السعودية في اختبار صعب.
الدبلوماسية السعودية تحت الضغط: اختراق الحلقة المفرغة
تواجه المبادرة السعودية جداراً منيعاً من الدعم الأمريكي الثابت لإسرائيل، خاصة في عهد ترامب. لا تكتفي الرياض بالشجب، بل تعمل على مستويات متوازية: أولاً "تعزيز التنسيق العربي والإسلامي" لخلق جبهة موحدة تضغط من الداخل. ثانياً "الاستثمار في تحالفات مع قوى أوروبية "متزعزعة"مثل فرنسا، إسبانيا، أيرلندا، النرويج" قد تشكك يوماً في السياسة الأمريكية. ثالثاً "استغلال الانقسامات داخل المجتمع الأمريكي" نفسه حول دعم إسرائيل غير المشروط، عبر حوار مع مراكز الفكر والكونغرس. رابعاً "ربط الملف الفلسطيني بقضايا دولية ملحة" كالأمن البحري، مكافحة الإرهاب، استقرار أسواق الطاقة لجعل التكلفة السياسية للرفض أعلى على الغرب. هذه التحركات ليست ضماناً للنجاح، لكنها تشير إلى إدراك السعودية أن كسر التحالف الأمريكي-الإسرائيلي يتطلب تفكيكه تدريجياً من عدة زوايا.
وختامًا: بينما يتسارع السعي السعودي نحو إقامة دولة فلسطينية، تقف إسرائيل وحليفتها أمريكا على الجانب الآخر، بقرارات تزيد من تعقيد المشهد. هذا التباين الحاد يضع المنطقة على حافة الهاوية، فإما أن تنجح الدبلوماسية السعودية في تحقيق اختراق تاريخي للسلام، أو أن يستمر مخطط الاحتلال في غزة، مما يطلق العنان لدورة جديدة من العنف واليأس. هل ستلبي الدول نداء السعودية وتتبنى "إعلان نيويورك" أم ستترك المصالح الذاتية للساسة تدمّر أي أمل في حل؟ إنها لحظة فارقة في تاريخ المنطقة، والمستقبل بيد من يملك الشجاعة لتحقيق السلام.
تعليقات
إرسال تعليق