الإخبارية نيوز:
8 يوليو 2025
في عالم يغلي بالتحولات السياسية، تبرز قصة رجلَيْن استثنائيين، أحدهما يمتلك ثروة خرافية والآخر يمسك بزمام السلطة؛ إيلون ماسك ودونالد ترامب، تتصادم رؤاهما وتصريحاتهما، لتُلقي بظلالها على المشهد السياسي الأمريكي، وتُلقي بأسئلة وجودية حول مستقبل الديمقراطية الأمريكية، وهل نحن أمام نقطة تحوّل تاريخية؟ أم مجرد عاصفة عابرة في فنجان السياسة؟.
حزب أمريكا: حلم ماسك في وجه العمالقة
أثار إعلان إيلون ماسك عن تأسيس "حزب أمريكا" جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية الأمريكية، وهل تستطيع الديمقراطية الأمريكية، على الرغم من رسوخها، استيعاب حزب ثالث أو التحول نحو تعددية حزبية فاعلة؟ ماسك لا يستبعد دعم مرشح للرئاسة مستقبلاً، لكنه يركز جهوده خلال السنة المقبلة على مجلسي النواب والشيوخ، ويرى ماسك أن حزبه الجديد سيُمثّل 80% من الطبقة المتوسطة الذين لا ينتمون للحزبين الجمهوري أو الديمقراطي، ويخطط للفوز بـ 2-3 مقاعد في مجلس الشيوخ و8-10 مقاعد في مجلس النواب في انتخابات 2026 ليصبح الحزب هو الحاسم في التشريعات.
تحديات الأحزاب الثالثة.. هل ينجح ماسك حيث فشل الآخرون؟
رغم الحماس الذي أثارته فكرة "حزب أمريكا"، فإن التاريخ الأمريكي يحذر من صعوبة اختراق هيمنة الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فمنذ عام 1850، لم ينجح أي حزب ثالث في تحقيق حضور دائم، بسبب عقبات مثل:
- النظام الانتخابي : المُصمم لصالح الحزبين الكبيرين .. مثل قاعدة "الفائز يأخذ كل شيء" في الانتخابات
- متطلبات قانونية شاقة .. جمع مئات الآلاف من التوقيعات لتسجيل الحزب في كل ولاية
- قلة التمويل والدعم الإعلامي .. مقارنةً بالآلة الحزبية التقليدية
الخبراء يشككون: يرى محللون مثل لي سدرمان خبير الأنظمة الانتخابية أن ماسك قد يحقق ضجة إعلامية، لكن فرصته في كسب مقاعد مؤثرة ضئيلة، إلا إذا حوّل الحزب إلى حركة ضغط تدفع الحزبين لتلبية مطالب الطبقة الوسطى، بينما تؤكد كارا براون أستاذة العلوم السياسية، وأن نجاحه مرهون بقدرته على تجنيد نجوم سياسيين محبطين من الحزبين، وإلا سيبقى الحزب مجرد "ظاهرة تويترية".
القشة الأخيرة: صراع السلطة والثروة
زادت حدة التوترات والانشقاقات بين ترامب وماسك بعد إعلان الأخير عن إنشاء "حزب أمريكا"، وإعادة إثارته لقضية جيفري إبستين، وبدأت المشكلة تتصاعد أكثر بعد موافقة مجلس الشيوخ على قانون الموازنة "الجميل الكبير" لتمويل أجندة ترامب، والذي خفض الدعم للسيارات الكهربائية، ما يعني خسائر ضخمة لماسك، وفي 6 يونيو، وبعد اتهام ماسك لترامب بالتورط في قضية إبستين، تحدث ماسك لأول مرة عن الحزب الجديد، ورغم أن ماسك حذف كل الاتهامات وقدم اعتذارًا بعد تهديدات ترامب بترحيله ومراجعة عقوده الحكومية، إلا أن فكرة الحزب لم يتخل عنها.
لعبة الاستطلاع: مؤشرات على تغيير قادم؟
في 4 يوليو، يوم الاستقلال، قام ماسك بعمل استطلاع رأي شارك فيه 1.2 مليون أمريكي، وأيد 65.4% فكرة "حزب أمريكا"، ومع هذا الإعلان، انخفضت أسهم تسلا بسبب قلق المستثمرين من انشغال ماسك بالسياسة في مرحلة حاسمة للشركة، واتضح أن الحرب ليست ضد ترامب فقط، فقد أعلن ماسك الحرب ضد الحزب الجمهوري كله وتحدى الجميع بإعلانه عن إنشاء "America Party، لم تكن الأمور واضحة للجميع، فالبعض اعتقد أنها مزحة لصعوبة الأمر وشروط التسجيل كتقديم تسجيل رسمي للحزب وجمع مئات الآلاف من التوقيعات أو الأعضاء.
الردود المتبادلة: حرب التصريحات
لم يكن هناك أي رد من ترامب حتى الأمس، ثم خرج ليصف حزب إيلون ماسك الجديد بأنه "سخيف وسيخلق ارتباكاً"، مؤكداً أن الحزب الجمهوري في وضع عظيم والديمقراطيين "ضلوا طريقهم"، وأن الأحزاب الثالثة دائماً ما تفشل، وفي تغريدة أخرى على "تروث سوشيال"، وصف ترامب ماسك بأنه "فقد السيطرة ويتجه نحو كارثة سياسية"، ويلمح إلى أنه لا يفقه شيئاً في السياسة ويقوم بخطوات متسرعة، وأنه يتحدث كثيراً لكنه غير مؤثر، ورد ماسك عليه بتعليق ساخر: "لن أقرأ كل هذا، وما هو تروث سوشيال؟ لم أسمع به من قبل".
"عداد إبستين" وقصف ماسك: تصعيد غير متوقع
واصل إيلون ماسك هجومه على إدارة ترامب، هذه المرة بالتركيز على قضية جيفري إبستين، ونشر ماسك صورة لـ "عداد اعتقالات جيفري إبستين"، المعين على "0000"، وعلّق بسخرية: "ما هو الوقت؟ أوه انظر، لم يتم القبض على أحد على مدار الساعة مرة أخرى..."، وجاء هذا المنشور بعد أن ذكرت "أكسيوس" أن وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي لم يعثرا على دليل على ابتزاز إبستين لشخصيات قوية أو احتفاظه بـ "قائمة العملاء"، أو أن موته كان جريمة قتل، وماسك كان قد اتهم ترامب في وقت سابق بأنه "موجود في ملفات إبستين"، وأن هذا هو السبب الحقيقي لعدم الإعلان عنها.
التهديدات الأولية: مستقبل جمهوري غير مستقر
تشكل تهديدات إيلون ماسك بدعم المنافسين الأساسيين للجمهوريين الذين صوتوا لصالح "مشروع قانون ترامب الكبير والجميل" تحدياً للرئيس وحلفائه، ويرى بعض الجمهوريين أن هذه التعليقات غير مفيدة، وقد تشتت الموارد في بيئة انتخابية صعبة، وماسك يرى أن هذا الإنفاق الجنوني يزيد من سقف الديون ويجعل أمريكا "حزب الخنزير"، ويدعو إلى حزب سياسي جديد يهتم بالشعب، بينما يسخر بعض المشرعين من تهديدات ماسك، ويؤكد آخرون أن الرئيس ترامب أكثر شعبية من ماسك، ويشككون في جدية ماسك في متابعة هذه التحديات الأولية، خاصةً وأن ترامب نفسه ترك الباب مفتوحاً لترحيل ماسك.
ختامًا: لعبة العروش الأمريكية
في قلب هذا الصراع المثير، تتبلور معركة إرادات بين قطبين يجسدان ملامح مستقبل أمريكا المتقلب، وماسك، بجرأته التكنولوجية ورؤيته الثورية، يحاول شق طريق ثالث في نظام سياسي يبدو عصياً على التغيير، بينما ترامب، بأسلوبه الصدامي وتهديداته المباشرة، يدافع عن عرش سلطته ويسعى لكسر شوكة أي منافس محتمل، وهل ستنجح رؤية ماسك في إحداث زلزال حقيقي في المشهد الحزبي الأمريكي؟ أم سيتلاشى حلمه أمام جبروت السياسة التقليدية وقوة ترامب؟ الأيام القادمة ستحمل الإجابة، لكن الأكيد أن هذه المعركة ليست مجرد صراع شخصي، بل هي انعكاس لتغيرات عميقة تموج في صلب المجتمع الأمريكي، وقد ترسم ملامح عالم جديد.
تعليقات
إرسال تعليق