بقلم: الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر
بليلة ساحرة حملت طابع التشويق والرهبة بنفس اللحظة، وبأجواء بتقشعرّ لها الأبدان، احتفل النجم العالمي والمخرج اللبناني الكبير سعيد الماروق بانتهاء تصوير أضخم إنتاج درامي مرّ بتاريخ الدراما الخليجية، مسلسل "هَوَس"، العمل يلي شكّل زلزال فنّي وبيئة خصبة لولادة رعب من نوع جديد، وفتح بوابة ضخمة بتحوّل دولة الكويت من محطة محليّة لصناعة محتوى، إلى مرآة درامية عالمية بتشبه نتفلكس وهوليوود... بس بنكهة خليجية مشتعلة وتوقيع لبناني جريء.
هالاحتفال ما كان متل أيّ نهاية تصوير تقليدية، لأن "هَوَس" مش مسلسل وبس، هو مشروع رؤيوي حلم فيه سعيد الماروق من سنين، وغامر فيه بفكرته، بكاست مش مألوف، بأماكن تصوير غير نمطية، وبأسلوب إخراجي عم يدمج بين مدارس التشويق الأوروبية وميكانيزمات الرعب الآسيوي، مع حنية البيئة الكويتية وعراقة الخليج، وطبعًا اللمسة اللبنانيّة الإبداعية يلي خلت من كل مشهد لوحة، ومن كل لقطة صدمة، ومن كل تفصيل حديث الناس بالسوشال ميديا.
الماروق، يلي بيعرف يتنقّل بين الكليبات، والإعلانات، والسينما، وكأنّه عم يلعب على نغمة موسيقية ما بتغلط، دخل عالم المسلسلات بأضخم مقام، وقرّر يعيد تعريف الرعب بالعالم العربي، مو من مصر ولا من الشام، بل من قلب الكويت، البلد يلي كان دايمًا وفية للتقاليد، واليوم عم تهزّ شباك الجدران بكل بيت عربي من خلال "هَوَس"... مسلسل ما بيشبه شي، لا بالرتم، لا بالحبكة، ولا بالشخصيات. هو حالة نفسيّة، رحلة بعتمة الذهن البشري، استعراض لعوالم الجنون، والكوابيس، والظواهر الخارقة، ومرايا الحقيقة الملتوية.
بالاحتفال يلي جمع نجوم العمل، وصحافة محلية وعربية، وكان مغلف بأجواء درامية مهيبة، أطلّ سعيد الماروق ببساطة الكبار، وقالها بصوت هادي بس واثق: "هَوَس هو مجازفة... بس كنت بعرف إنو هالرعب يلي جواتنا نحنا العرب، صار لازم يطلع على الشاشة، ومو أي شاشة، شاشة الكويت، لأن فيها نبض، وفيها خصوصية، وفيها روح فنية ما بتتكرر." هالكلمات كانت كافية تفهم إنو سعيد مش بس مخرج، هو قارئ نفس، وفيلسوف درامي، وناقل قضايا بمجهر ما بيغلط.
"هَوَس" بحسب مصادر مقربة من فريق العمل، بينقلك من البيت العربي البسيط لمصحة نفسية بتخبي أسرار من الماضي، ومن وجوه مبتسمة لظلال مرعبة بتراقبك وبتتنفّس معك، وكل حلقة بتخلّي المشاهد يعيش لحظات توتر حقيقي، ما فيها لا تمثيل زايد ولا موسيقى ترعبك غصب، بس سيناريو بيدخل جوّاك وبيفجّر خوفك الداخلي، ورؤية إخراجية بتخلي من الرعب فن نقي.
الملفت إنو المسلسل مش بس مرعب، هو غني بصريًا، متقن بإضاءة مش مألوفة بالدراما الخليجية، بيعتمد على تكنيكات كاميرا سينمائية وMotion Graphics بيخلوك تحسّ إنك بداخل اللعبة، وطبعًا هالشي مش غريب عن مخرج اشتغل مع كبار الفنانين العرب والعالميين، وحمل رؤيته من بيروت لبوليوود، ومن هناك للعواصم الأوروبية.
سعيد الماروق اليوم عم يخطّ سطر جديد بتاريخ الصناعة الدرامية، وبيرفع الكويت بإيد، والدراما الخليجية بالإيد التانية، وعم يصرّح بجرأة إنو العالم صار لازم يسمعنا، مش بس نحنا نسمع له. وكأنو عم يقول: "كفى تكرار، كفى تقليد، صار وقت الابتكار!" وبـ"هَوَس"، بيبرهن إنو الابتكار مش وهم، بل حقيقة ممكنة، بس بده شخص مؤمن، ومغامر، و"فنان مش بس بيحب المهنة، بيعيشها".
ومن خلال "هَوَس"، ما عاد الرعب يتصوّر بأماكن مظلمة عشوائية، ولا بشخصيات كاريكاتورية. صار الرعب عميق، داخل الإنسان، داخل البيت، داخل الحب، داخل الذاكرة. صار بيحكي عن الكبت، عن العزلة، عن المجهول، عن القهر النفسي يلي بيوصل الإنسان ليتحوّل، أو ينفجر، أو يختفي بين طيات الخوف.
وما فينا ننسى كمان كيف إنو الماروق اشتغل على المسلسل كأنو فيلم عالمي، واهتم بأدق التفاصيل من الميك آب السينمائي، لتصميم الصوت ثلاثي الأبعاد، لأزياء شخصيات عم ترمز لحالات عقلية مش مجرّد أدوار. وكان حريص إنو يعطي كل ممثل فرصة يكون بطل بلحظته، وكل مشهد يكون مكوّن مستقل، وكل حلقة تكون لوحة، والكل موصول بخيط محكم اسمو: "الهَوَس... يلي فينا كلنا."
بالتالي، ما عاد فينا نحكي عن مسلسل رعب عادي، ولا عن إخراج جيد، ولا عن احتفال تقليدي. نحنا اليوم قدام حدث بيهز البنية الدرامية العربية، وبيرفع اسم سعيد الماروق لمراتب ما وصل لها قبله أي مخرج لبناني أو عربي بهيك نوع من الدراما. و"هَوَس" ما رح يكون آخر المطاف، بل أوّل الطريق لمسلسلات عربية من هالنوع، موجهة لجمهور عالمي... بس ناطرة حدا عندو جرأة سعيد، وخيال سعيد، وهَوَس سعيد.
وفي النهاية، ما فينا إلا نقول إنو الكويت اليوم دخلت التاريخ الدرامي من بابه العريض، بس المفتاح كان بإيد سعيد الماروق... والمستقبل؟ باين إنو بيبلّش من "هَوَس".
تعليقات
إرسال تعليق