القائمة الرئيسية

الصفحات

كلما فهمت أكثر تألمت بصمت

لم يكن يبحث عن الحقيقة…
كانت تلاحقه وحدها، كظلٍ لا يغادر،
تتسلل إليه في لحظات الصمت، وتحدّق فيه حين يظن أنه نجا.

كان يظن أن الفهم سيمنحه السلام…
لكنه مع كل طبقة يكشفها عن الحياة،
كان يخسر جزءًا من براءته.

فهم لماذا يرحل البعض دون وداع،
لماذا يختار الأصدقاء الصمت بدل التبرير،
ولماذا يغدو الكذب أحيانًا أسهل من الصدق.

فهم أن النضج ليس أن تصبح أقوى،
بل أن تصير أهدأ… لأنك لم تعد تنتظر شيئًا.
أن تبتسم… لأنك تعبت من الانهيار.
أن تصمت… لأن الكلام لا يغيّر شيئًا.

مع كل فهمٍ جديد، كان يشعر أنه يُقصى من العالم قليلًا،
أن المسافة بينه وبين الآخرين تكبر…
لأنه بات يرى ما لا يراه أحد،
ويشعر بما يتجاهله الجميع.

لم يعد يجادل… لأن المعارك صارت بلا جدوى.
لم يعد يعاتب… لأن الخذلان لم يعد مفاجئًا.
بات يمرّ على الأشياء كمن يمرّ على جرح قديم:
لا يصرخ… لكنّه لا يشفى.

كلما فهم أكثر… ضاق صوته، وتوسّع وجعه.
صار صمته أثقل من الكلام، ونظرته تحمل ما لا يُقال.

يقولون: "الفهم راحة."
لكن لا أحد يخبرك أن الفهم الحقيقي
هو أن ترى الحقيقة عارية… وتعجز عن تغييرها.
أن تعرف ما يوجعك بدقة… وتواصل الحياة كأنك لا تدري

الكاتب  إدريس أبورزق

تعليقات