اعداد- محمد عبدالعزيز سعفان
بعيداً عن التصور الرومانسي، تبقى الطبيعة ماكرة. مثلاً، زوجان في مقتبل العمر يمارسان الجنس يوميا، هذا ممتع، لكن الطبيعة التناسلية تخبئ لهما أجندة سرية، إذ تريدهما أن ينجبا عشرة أو عشرين، ومع مرور الأيام يأخذ حجم المتعة في التقلص. فيا للورطة ! هذا ما يجعل الكثيرين بعد فترة قصيرة من الزواج يشعرون كأنهم وقعوا في فخ ما. ولأنهم لا يجدون تفسيراً لهذا الفخ الغامض فقد يراه كل واحد في الطرف الآخر. وقد يصبح استمرار العلاقة مجرّد “تضحية” يمنّ بها أحدهما على الآخر، أو يمنّان بها على الأبناء ويا للبؤس !
لكن، لماذا تضطرّ الطبيعة إلى خداعنا؟ لأنها حسب شوبنهاور تدرك بأن الإنسان أعقل من أن يتكبد عناء التناسل عن طواعية فيما لو لم توجد غواية قوية إلى درجة تجعله يفقد عقله. لقد وُجد الحب لكي نفقد عقولنا. وهذا كل ما في الأمر.
والآن، بعد أن أزحنا السحر عن الحب ألا نكون قد ضحّينا به طالما ليس للحب غير سحره؟
الحبّ فخ بالفعل، لكنه فخ جذّاب، لا يمكن مقاومته بدون خسائر باهظة. فهل هناك من خيار آمن؟ الحرية بمعناها الهيجلي هي هامش انفلات الوعي من قبضة الضرورة الطبيعية. هنا تندرج إحدى الأبعاد الإستراتيجية للحداثة: تحرير الحبّ من الأجندة الخفية للطبيعية. وثمة معالم واعدة، من بينها أذكرُ ما يلي:
-أولا، ظهور وتطور موانع الحمل، والتي منحت للإنسان فرصة “التحايل” على الطبيعة، بحيث يأخذ منها المتعة التي تمنحه دون أن يدفع لها الثمن الذي تطلبه.
-ثانيا، الاعتراف بالزواج المثلي، والذي ليس مجرّد اعتراف بحق الجميع في الزواج بلا تمييز، بل اعتراف رسمي بمشروعية الحب المجرّد كليا عن كل أشكال الضرورة التناسلية.
-ثالثا، تطور ثقافة القُبلة العميقة كانزياح شبقي عن الضرورة التناسلية. إذ لا تمرّ القُبلة عبر الرعشة الجنسية، لذلك لا تنقطع نشوتها، إنها كحالة السكْر لدى شعراء التصوف. ههنا استنتاج لا يخلو من أهمية: قد يتحقق الجنس بلا حب، وهذا الأمر يعرفه الرجال أكثر. قد يتحقق التوالد بلا حب، وهذا الأمر يعرفه الرجال أكثر. لكن وحدها القُبلة العميقة تدلّ على الحب العميق، وهذا الأمر تعرفه النساء أكثر..!
تعليقات
إرسال تعليق