القائمة الرئيسية

الصفحات

إزْدِهَار أفيُوني٠٠حدث ذات يوم في آذار٠( ذاكرة بيضاء)


سليم النجار٠٠
الذاكرة كنز إنساني دفين، تتحفز أطرافها الأخطبوطية العائمة دائما باتجاهين متناقضين متضادين، الاتجاه الأول هو الغياب في حضرة النسيان، والاتجاه الثاني هو الحضور الحميمي في قلب اللحظة المناسبة عن طريق آلة الاسترجاع المشحوذة دائما بقوة غامضة، وبذلك تخوض صراعا قاسيا لا يلين، يشبه لعبة مدمرة ينتهي فيها أحد طرفي الصراع/ اللعبة في النهاية المطاف إلى فرح الحضور٠  
وقد حظيت الذاكرة على هذا النحو بمقاربات ودراسات وقراءات كثيرة( فلسفية وثقافية وأدبية)، لكنها ظلت على أكثر من مساق لغزا محيرا قابلا لمزيد من البحث والتقصي والاستقراء، وستبقى كذلك إلى أجل غير مسمى بسب تعقيدها على مستوى خضوعها لمعارف مختلفة لها صلة بعلوم الإنسان والمعرفة والطبيعة والثقافة في إنٍ ٠
كتاب" حدث ذات يوم في آذار" للكاتبة إزدهار الفرخ أفيوني ينهج نهجا سيرذاتيا في كتابة سيرة ذاتية مغايرة، يتقصى في فعالية سردية نوعية طبقات منتخبة في الذاكرة تتمركز على نحو اساس في حاضنة الطفولة( أذكر عندما كنت طفلة في الثانية عشرة من عمري أو أقل قليلاً، بدأت أشعر بأن كل شيء يتغير حولي في فلسطين وفي حياتي، فقد كنا حينها نعيش في يافا وكان والدي يعمل في دائرة الأراضي والمساحة ص١٣٥)٠
كما سردت الكاتبة إزدهار عن الهجرة من المكان والزمن متعلقة باسم الفاعل المُنكر الراوية ( مهاجرة)، المكان المتحول في سيميائه الشعبي العتيق (درب)، المفروش بالعاطفة والوجدان والتجربة والمعاناة( الحنين والأنين)،( أريد أن أخبرك موضوعا نسيت ان اقوله لك من قبل ٠٠؛ وسألته بلهفة ماذا يا سعيد، إطمئني خيرًا إن شاء الله ؟ قال لي : خيرًا يا عزيزتي يارب لاتقلقي، الواقع أنني أريد أن اسشيرك في أمر ما، فمنذ أشهر وقبل زواجنا كنت متضايقا ومنزعجا بعض الشيء فقمت بكتابة رسالة لدولة الكويت اطلب عملا هناك ص٧)٠
ومن هنا بدأت حياتها الجديدة ورحلت للكويت، مع زوجها طبيب الأسنان٠
الآلية التي اشتغلت عليها الكاتبة إزدهار في نص على على مستوى التعبير والتشكيل تميزت بقدرٍ على فعالية( التماسك النصي)، وهو ما لا يمكن تحقيقه بسهولة في تشتبك فيه المسارات والخطوط والكتل الكتابية، خاصة عندما كتبت سيرة الفلسطنيين الذين هاجروا للكويت، ومن نافلة القول لم تكن الهجرة الأولى ولن تكون الأخيرة، وقامت الكاتبة بسرد المواقف الكويتية الداعمة للفلسطينين( مواقف يشار إليها بالبنان تجاه القضية الفلسطينية فقد قامت حينها بمنح تذاكر سفر ذهابا وإيابا لجميع أبناء، غزة العاملين بالكويت للسفر إلى بلدهم للإطمئنان على أهلهم وذويهم، وقامت بدفع راتب شهر إضافي لهم ليقوموا بمساعدة أسرهم هناك ص ٤٦)٠
ثمة مرويات واقعية تتنوع في مرجعياتها( مكانا وزمنا وحدثا ورؤية) بحيث تنتشر على مساحة كتابية مكتنزة في تداخلها وتماهيها، في تلاقيها وانفصالها، وثمة مرويات ينفتح عليها عنصر الوفاء( وسأذكر لكم بعض المعلومات عن سمو الشيخ صباح السالم، لأن لعائلتنا معه‐ طيب الله ثراه‐ ومع جميع أسرته الكريمة ذكريات كثيرة ممتدة منذ يومنا الأول في منزل السالمية وحتى يومنا هذا٠ أصبح سموه ‐ الأمير الثاني عشر لدولة الكويت، وهو ابن الشيخ سالم المبارك الصباح ص٥٣)٠
تغور كثافة هذا المشهد السيري في لغة متجوهرة لا تكتفي بالمساحات السيرية المتاحة، من مكان دائري ( المعاناة)، تنبثق منه طبقات زمنية لا حدود لها، وتنفتح على امكنة وأشياء داخل طبقات أخرى تتجاوز حدود إلية الأبلاغ( واسست السيدة ربيحة بمعاونة شقيقتي وغيرها مدرسة الجيل للبنات الخاصة، وكبرت هذه المدرسة وحصلت خلال السنوات الأولى على أعلى الجوائز لتفوق طالبتها في شهادة الثانوية العامة، وبعد ذلك قامت دولة الكويت بتعيين السيدة ربيحة مفتشة لمدارس البنات في الدولة كافة ص٧٠)٠
قامت الكاتبة إزدهار في نقل التجربة التي مرت بها، إلى العودة إلى الوطن " يافا" وزياراتها لكن هذه المرة زائرة، وليست عودة ما أقسى أن تعود لوطنك زائرا( وفي اليوم التالي كان موعدي مع يافا، لقد جافاني اليوم ليلتها من شدة الحنين والقلق، مشاعر كثيرة اختلطت في داخلي، كنت اردد في نفسي حبيبتي يافا الشوق إليك يقتلني، انتِ والله ‐ دائما ‐ في أفكاري في ليلى وفي نهاري منذ أن تركنك، أيعقل أن تغتصبي وتُسرقي مني هكذا؟ ص١٨٥)٠
حكاية وسيرة إزدهار مصاغة بطريقة صوفية الفضاء والمعنى والخصوصية والدلالة والإشارة، إنها ذاكرة بيضاء استطاعت إزدهار بأسلوبها المتميز والتنوير السردي وقد توهجا في لغة الحكاية، فكان حدث ذات يوم في آذار تاريخ يُكتب ولن يُنسى٠

تعليقات