الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر
في عالم منصات التواصل، حيث يفيض الكلام ولا يبقى في الذاكرة شيء، خرج علينا منشورٌ كأنه لا ينتمي لهذا الزمن، منشور لم يُكتَب ليمرّ، بل كُتِب ليتوقف الزمن عنده، لم يُصَغْ بأسلوب مجاملة، بل انسكب من قلب يشبه صعيد مصر في صدقه، ومن عقلٍ لا يكتب إلا حين يلمس الأثر، منشور للفنان الكبير جمال عبد الناصر، لم يأتِ كتحيةٍ عابرةٍ للاعب كرة، بل جاء كصلاة مكتوبة، كقصيدة نُحتت من حنين وصدق، فيها "شيكابالا" لا يظهر كلاعب، بل يظهر كرمز، كتمثال حيّ، كوميض لا يكرّر نفسه، كفكرة لا تموت.
اللغز الأول: من هو الرجل الذي لم يكتب عن شيكابالا… بل كتب شيكابالا؟
من هو الذي لم يصنع جملة… بل صنع تمثالًا بالكلمات؟ من هو الذي لم يمتدح الأداء… بل خلد الشخصية؟ من هو الذي لم يتحدث عن لاعب… بل تحدث عن إرث؟ من هو الذي لم يصف مهارة… بل لمس جوهرًا؟ من الذي نظر إلى شيكابالا لا كجناح طائر في الملعب… بل كقطعة من حضارة مصر القديمة خرجت من نحت فرعوني صار يمشي ويُبدع ويبتسم ويتواضع؟ من هو الذي رأى في "شيكا" مش بس مهارة، بل ترجمة حقيقية لفكرة "القدوة"، "الرمز"، "الملهم"، "الشخص اللي مش بيكرر نفسو"؟
الجواب: جمال عبد الناصر، لأنو ما كتب مدح… كتب وجدان.
اللغز الثاني: من هو الذي رأى في كرة القدم مرآةً لروح مصر؟
من هو الذي لم يرَ في اللاعب مجرد مهارة بل امتدادًا لهوية؟ من هو الذي كتب عن شيكابالا كأنه بيكتب عن معبد قديم نزل يمشي بين الناس؟ من هو الذي رأى في الجناح الطائر نكهة الجنوب، وطيبة الصعيد، وإحساس المصري الأصيل؟ من الذي لم يعلّق على مباراة، بل علّق على أسطورة؟ من هو الذي ربط الرياضة بالتاريخ، والموهبة بالأخلاق، والجمال بالمبدأ؟ من هو الذي شاف إنو "التمريرات" ممكن تكون صلاة، و"الركض" يمكن يكون نشيد وطني، و"الفرحة" بعد الهدف ممكن تكون موروث بيحكي عن ناس مشافوش الفرح من سنين؟
الجواب: جمال عبد الناصر، لأنو عارف إنو في لقطات مش بتتفسّر، بتتحس.
اللغز الثالث: من هو الذي اختصر آلاف المباريات… في جملة صادقة؟
من هو الذي لم يحتج فيديوهات ولا أرشيف ولا لقطات بطيئة، بل كتب سطرًا فيه كل مشوار شيكابالا؟ من هو الذي قال "شيكا ليس لاعبًا بل مثَلًا أعلى"… فحطّ السطر بإيدنا وراح؟ من هو الذي ما علّق عالأهداف، بل علّق على الجوهر؟ من هو الذي فهم إنو مش مهم شيكابالا لعب فين، المهم كيف شيكابالا بقي هو، من غير ما يتغيّر، من غير ما يخسر روحو، من غير ما ينزلق لزيف الشهرة؟ من هو الذي لمس الحقيقة من غير ما يشرحها، وتركنا نفهمها من نبرة السطر؟
الجواب: جمال عبد الناصر، لأنه بيكتب مش بقلمه… بل بحدسه.
اللغز الرابع: من هو الفنان الذي كتب عن شيكابالا كأنه بيرثي فرعونه؟
من هو الذي قال: "منحوتة من مصرنا القديمة"، وما كنا عارفين إذا بيقصد تمثال، ولا لحظة صادقة من عُمق الحضارة؟ من هو الذي شاف بالرقم 10 قَسمَة أبو الهول، وبتمريرات القدم اليسرى، نبض من أعماق نهر النيل؟ من هو الذي فهم إنّو اللاعب يلي بيلعب بروحو، هو اللاعب يلي بيبقى حتى بعد ما يعتزل، والناس بتشوفو في كل طفل صغير بيركض وراه حلمه؟ من هو الذي صاغ المعادلة: "كرة القدم + طيبة الصعيد + إحساس أصيل = شيكابالا"؟
الجواب: جمال عبد الناصر، لأنو بيعرف يكتب التاريخ… مش بس يحكيه.
اللغز الخامس: من هو الرجل يلي ما شكر شيكابالا… بل شكر قدَر مصر إنو خلق هيك إنسان؟
من هو يلي كتب: "شكرًا محمود عبد الرازق شيكابالا"، وخلّينا نحس إنو عم يشكر مَدرسة مش بني آدم؟ من يلي كتب شكرًا وكأنها تحية لجيل كامل، لأمل كامل، لذكرى حيّة؟ من يلي شاف إنو في وسط رياضة بتتباع وتتشترى، بعد في رجال ما بيتكرّروا؟ من يلي قال: "شيكابالا لن يتكرر"، مش كرمال يرفعو… بل كرمال يعلمنا إنو في ندرة حقيقية، في ناس بيجوا مرة، وبيمشوا ببطء… بس بيبقوا فينا؟
الجواب: جمال عبد الناصر، لأنو بيعرف الفرق بين نجم وبين أيقونة.
اللغز السادس: من هو الفنان يلي كان ممكن يحكي عن نفسه… فاختار يحكي عن غيره؟
من يلي بيقدر بكل ثقة يحكي عن مسيرتو، عن أدورو، عن نجوميتو، بس فضّل يكتب عن لاعب من غير مجاله؟ من يلي حسّ إنو النُبل مش إنك تكون الأول، بل إنك تشوف غيرك عايش نفس الشرف… فتقفله وتصفق؟ من يلي اختار يكبّر غيرو، وهو أصلاً كبير؟ من يلي شاف إنو شيكابالا مش بس قصة نجاح، بل رسالة للناس، فقرّر يوصلها بلغتو؟ من يلي حسّ إنو الكتابة عن لاعب هي كمان أداء تمثيلي… بس تمثيل أخلاقي؟
الجواب: جمال عبد الناصر، لأنو كِبَر النفس مش بده تمثيل… بده ضمير.
بس هون بيبدأ اللغز الحقيقي، لغز بدون حل…
من هو الرجل يلي إذا شِلت صورة اللاعب، وشِلت اسم الكاتب، وبقيت الجملة، تحسها مكتوبة لإلك؟ تحسها بتحكي عنك؟ عن صديقك؟ عن أبوك؟ عن شخص مَرّ بحياتك وترك نفس الإحساس؟
فكّر… واسأل حالك: مين بيكتب هيك إلا إذا كان أصله من ذهب؟
ومين بيكون شيكابالا… إلا إذا كان خلق من نور؟
تعليقات
إرسال تعليق