القائمة الرئيسية

الصفحات

أنا التعب الذي لا يُلاحَظ

لم أكن يومًا ذلك الذي ينهار أمامهم.
لم أطلب عناقًا طارئًا،
ولا رفعت صوتي طالبًا نجدة.
لم أبكِ على كتف أحد،
ولا تركت أثرًا على الطاولة يدل على أنني لست بخير.

أنا… التعب الذي لا يُلاحَظ.

كل ما بي يحدث بصمتٍ متقن.
أنفاس ثقيلة لا تُزعج أحدًا،
نظرات شاردة لا تُثير فضولًا،
وابتسامات صغيرة تُخفي خيبات كبيرة.

أستيقظ كل صباح وأرتدي ملامحي كما يرتدي الجنود دروعهم،
أقنع نفسي أنني بخير،
ثم أخرج إلى العالم…
كأنني أُجيد الحياة.

لكن الحقيقة؟
أنني مُنهك.
لا من أمر واحد… بل من كل شيء.
إنهاك لا يُبكيني،
لكنه يسحبني من الداخل، ببطء لا يراه أحد.

أنا لا أصرخ.
لا ألقي الكلمات في الهواء طلبًا للعطف.
لأنني أعرف جيدًا:
الناس لا يسمعون إلا من يتألم بصوتٍ عالٍ.
أما التعب الهادئ؟
فيُعدّ ترفًا… أو مبالغة.

كيف أشرح لهم أنني أذبل… وأنا أضحك؟
أن قلبي مُثقَل، رغم أن خطواتي لا تَعرُج؟
أنني لا أحتاج حلًا… بل احتواء؟

التعب الذي في داخلي
ليس مأساة درامية،
بل استنزاف ناعم
كالماء الذي ينخر الحجر… دون أن يُحدِث صوتًا.

أبدو قويًا،
فيلقون على ظهري مزيدًا من الأحمال.
أبدو متماسكًا،
فيطمئنون أنني "سأكون بخير"
حتى وأنا أنهار من الداخل،
قطعة… قطعة.

كل ما أحتاجه أحيانًا
ليس أكثر من جملة بسيطة:
"أنا أراك… حتى في صمتك."
أن يلاحظ أحدهم رعشة التعب في صوتي،
قبل أن تُطفئني كلماتي.

أنا لا أطلب الكثير.
لا أريد تفسيرًا لِما أشعر،
ولا تعليمات للنجاة،
ولا تلك الجمل الجاهزة عن التفكير الإيجابي.

أنا فقط أريد أن يُرى هذا التعب،
أن يُحسّ دون أن أشرحه،
أن يُؤخذ على محمل القلب،
ولو مرة واحدة.

أنا التعب الذي لا يُلاحَظ…
لأنني كنت دائمًا أُخفيه جيدًا.
وها أنا اليوم،
أدفع الثمن من عمري…
بهدوء.

الكاتب  إدريس أبورزق 

تعليقات