حين تتآلف القلوب رغم اختلاف الألوان، ويعلو صوت الوطن فوق كل همسٍ ضيّق، تبدأ الأمة أولى خُطاها نحو المجد الراسخ.
الجزائر وطن لا ينكسر، ما دام أبناؤه يضعون أيديهم في يد بعض، ويجعلون من الاتحاد درعًا، ومن التنوع زينة لا مَطعنًا.
إنّ قوة الجزائر لم تولد من فراغ، بل من جراح ماضٍ قاومت، ودماء أحرارٍ سالت، وأرواحٍ طاهرة آمنت أن الوطن لا يُباع.
في كل منعطفٍ تاريخي، كانت الجبهة الواحدة هي السند، وكانت الكلمة الصادقة هي السلاح.
عندما تتوحد القلوب تحت راية واحدة، وتذوب الانتماءات الضيقة في بوتقة الوطن، تنتصر الجزائر.
الانقسام ليس سوى ثغرة يتسلل منها خصم متربّص، ينتظر لحظة ضعف ليبثّ سمه في الجسد.
أعداء الوطن لا يملّون، لكنهم يرتبكون أمام تماسك شعبٍ يتقن لغة الوفاء.
لا جنوب ولا شمال، لا شرق ولا غرب... الجزائر واحدة بقلبها النابض بكل أطيافها.
كل اختلاف فيها جمال، وكل طيفٍ فيها ركنٌ من أركان عظمتها.
الوطن ليس جغرافيا فحسب، بل هو نبض يسكننا، وواجب لا نساوم عليه.
حين تتقدّم مصلحة الجزائر على المصلحة الذاتية، تبدأ أولى خطوات الخلاص.
الوحدة لا تعني التشابه، بل احترام الفروق في إطار المحبة والولاء للوطن.
فلنُطفئ شرارة التفرقة قبل أن تتحول إلى لهب، ولنحمل ماء الحكمة في كلماتنا.
شعوب كثيرة انهارت حين تشرذمت، وبلاد سُلبت حين خاصم أهلها بعضهم.
لكنّ الجزائر عصيّة، مادام في أبنائها من يؤمن أن قوتنا في لمّ الشمل لا في التنازع.
لنقرأ التاريخ جيدًا، فصفحات النصر لم تُكتب إلا بالحبر الجماعي، لا بيدٍ منفردة.
الشهداء لم يسألوا عن الأسماء أو القبائل حين ارتفعت تكبيراتهم من الجبال.
هم آمنوا بالجزائر فداء، ووحدتهم كانت أكبر من كل انتماء ضيّق.
فلنكن أوفياء لتلك الدماء، ولتلك الدعوات التي رُفعت في ليل الاستعمار الطويل.
إن حب الوطن ليس شعارًا نعلقه، بل مسؤولية حملها بكل وعيٍ وصبرٍ وعزم.
فلنعلّم أبناءنا أنّ الانتماء ليس فخرًا أجوف، بل تضحية ومواقف.
ولنُرسّخ فيهم أن الجزائر لا تُبنى بالشتات، بل بالعقول التي تؤمن بالحوار والمصلحة العامة.
دعونا نحفظ وحدتنا كما نحفظ صلاتنا، ونرعاها كما نرعى أبناءنا.
فهذا الوطن إن ضاع، لا شيء يُعوّضه، وإن توهّج، كنا جميعًا من نوره.
ففي اتحاد الأطياف لا نُلغِي ملامحنا، بل نرسم بها لوحة وطن لا يُقهَر، ووعد أمة لا تنكسر.
تعليقات
إرسال تعليق