الإخبارية نيوز :
في خطوة تاريخية تمزّق الصمت العالمي المطبق، أعلنت فرنسا عزمها الاعتراف بدولة فلسطين، وقرارٌ طال انتظاره، يأتي ليجسّد التزامًا نحو السلام العادل، ويلقى ترحيبًا حارًا من قادة أوروبا، ويُشعل بصيص أمل في زمن اليأس، وهذه اللحظة قد تُغيّر مسار التاريخ، وتُعيد للأصوات المتعبة قليلًا من الأمل في عالم فقد بوصلته الأخلاقية.
الاعتراف الفرنسي: دفعة للسلام وتصدي لمساعي التدمير
أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نيته الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين في سبتمبر المقبل أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، مؤكدًا أن هذا القرار يأتي وفاءً بالتزام فرنسا التاريخي بدعم السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط، وترحب أيرلندا وإسبانيا بهذا الإعلان، حيث يرى وزير خارجية أيرلندا أنه مساهمة مهمة في حل الدولتين، ويشدد رئيس الوزراء الإسباني على ضرورة العمل المشترك لحماية حل الدولتين الذي يحاول نتنياهو تدميره، مؤكدًا أنه الخيار الوحيد.
الخطوة الفرنسية : فينيق" فوق رماد غزة.. وكشف عورات الضمير الغربي
وراء البُعد الرمزي للاعتراف، تُؤكِّد باريس أن خطوتها مشروطة بتحقيق شُروطٍ واضحة: وجود حكومة فلسطينية موحَّدة تضم الضفة وغزة، وضمانات أمنية لإسرائيل، واستئناف المفاوضات الجادة، وهذه الشروط رغم إيجابيتها النظرية تُلقى على طاولةٍ فلسطينيةٍ مُتشظيةٍ أصلاً، في اختبارٍ صعبٍ للقدرة على توحيد الصفوف، وهذا ما سبق أن أثبته التاريخ عندما اعترفت الجزائر بموريتانيا عام 1969 كـ "جرأة دبلوماسية فردية" تمت وسط صحراء الخلافات العربية، لتصبح بعد سنواتٍ حجر الزاوية في الاعتراف الجماعي، واليوم، يُحلّق الاعتراف الفرنسي كـ "طائر الفينيق فوق رماد غزة"، كاشفًا عورات النظام الدولي: أوروبا تُشعل شمعة الأمل بدبلوماسية القيم، بينما تُطفئها أمريكا بمدافع التمويل العسكري والغطاء السياسي، في تناقضٍ يُجسّد أزمة الضمير الغربي.
ردود الفعل المتباينة: ترحيب فلسطيني وغضب إسرائيلي
تفاعلت الأطراف المختلفة مع القرار الفرنسي بتصريحات متباينة، وحركة حماس رحبت بإعلان ماكرون، واعتبرته خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح لإنصاف الشعب الفلسطيني ودعمًا لحقه في إقامة دولته، كما دعت حماس جميع دول العالم التي لم تعترف بعد بفلسطين إلى أن تحذو حذو فرنسا، في المقابل، جاء رد نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي عدائيًا، حيث أعلن أن الوقت قد حان لإحلال السيادة على الضفة الغربية كرد تاريخي "عادل" على القرار الفرنسي، في أسلوب يعكس عقلية المافيا التي تدعمها أمريكا.
صمت عالمي وتواطؤ: جرائم الإبادة الجماعية تتواصل في غزة
بينما تتوالى هذه التطورات الدبلوماسية، تستمر الفظائع في غزة، ومن المروع أن نرى مليوني مدني يتعرضون لشتى أنواع الجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك الإبادة الجماعية، والأشد روعًا هو أن الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية، بدلًا من وضع حد لهذه الإبادة، تواصل إمداد إسرائيل بكل ما تحتاجه، وتخادع العالم بتصريحات جوفاء، ويزداد الأمر سوءًا بترديد شعار "حق الدفاع عن النفس" المضلل واستخدام "معاداة السامية" كغطاء للأعمال الوحشية.
تزييف الحقائق واستغلال التاريخ: لماذا الإحجام عن الاعتراف بالإبادة؟
لم يتخيل محامٍ وموظف دولي عمل لأكثر من خمسين عامًا أن يرى من يدعون دعم حقوق الإنسان وقد تجردوا من القيم الإنسانية الأساسية، والعالم اليوم يغيب عنه القانون، ويزداد فيه الاستقطاب، ويستغل البعض تاريخ ضحايا الإبادة الجماعية لتبرير الفظائع، مفسرين "لن يتكرر ذلك أبدًا" بأنه يعني أن أي شيء مباح لمنع الاضطهاد المتجدد، وتستفيد إسرائيل من "هالة المحرقة" والتنافر المعرفي، مما يجعل الاعتراف بإبادتها الجماعية في غزة صعبًا على البعض، رغم الأدلة القاطعة.
على مفترق التاريخ: شروط فرنسا بين نار التغيير وجمر التواطؤ
هكذا يقف العالم على مفترق مصائر: اعترافٌ فرنسي يُضيء شمعة في نفق الصمت الدولي، لكنها شمعة هشّة تُحاصرها رياح التمويل الأمريكي للمحرقة وتنخرها ثقوب الانقسام الفلسطيني، فإما أن تكون هذه الخطوة "نواةً لزلزال دبلوماسي" ينهض من رماد غزة كما فعل اعتراف الجزائر 1969 حين فتح الباب لجدار الاعترافات العربية، وإما أن تُدفن تحت ركام التواطؤ، حيث القوي يُملي شروطه والضعيف يدفع الثمن، والسؤال المُعلّق الآن: هل ستُحوّل أوروبا شموعها إلى "نارٍ على مَدرَج الطغيان"؟ أم ستظل رهينة الخوف من غضبة السيد الأمريكي؟ التاريخ لا يرحم المُتفرجين، وغدًا سيدين كلَّ مَنْ وقف صامتًا بينما تُدفن طفولةٌ فلسطينية تحت أنقاض "حق الدفاع عن النفس" المزوّر.
تعليقات
إرسال تعليق