بقلم الكاتبة البحرينية : أميرة الحسن
لأن كل شيء قابل لإعادة التشغيل... حتى نحن». في «ريستارت للحياة»، نأخذ كل أسبوع لحظة تأمل نراجع فيها عادة، فكرة، أو علاقة، ثم نسأل: هل نستمر بها؟ أم نضغط زر «ريستارت» ونبدأ من جديد؟ في عالم سريع التغيُّر، أصبح من الضروري أن نُعيد التفكير في الأساليب التربوية التي نشأنا عليها، ونكررها أحياناً من دون وعي. من أكثر الأساليب رسوخاً ما يُعرف بـ «التربية بالأوامر»، نظام بدا فعَّالاً في زمن مضى، لكنه اليوم يُمثل نموذجاً قديماً يحتاج إلى إعادة تشغيل، ليتماشى مع واقعنا المتغيِّر. يُنتج هذا الأسلوب التربوي أطفالاً يطيعون من دون اختيار، وينفذون من دون تفكير، ويخشون المواجهة، لأنهم لم يتعلَّموا اتخاذ القرار. وهذا يُضعف من قدرتهم على التفاعل بفاعلية مع المجتمع. في المقابل، يدعو الفكر التربوي الحديث إلى منهج أكثر مرونة، قائم على الحوار والتواصل، يُنمي التفكير النقدي، ويشجع الطفل على التعبير عن رأيه. لقد نشأنا نحن في بيئات اعتبرت فيها الطاعة غاية بحد ذاتها، وارتبط السلوك الجيد بالامتثال. كانت تلك البيئات مُحاطة بمعتقدات وأعراف عميقة الجذور، حيث كان ينظر إلى الطاعة كقيمة أساسية. لكننا اليوم أمام فجوة واسعة بين الأجيال، فالنشء الجديد يتربَّى في بيئات تتسم بالتكنولوجيا والانفتاح على العالم، مما يجعل لُغتها وأسلوب تفكيرها يبدو وكأنه خوارزميات معقدة بالنسبة لنا تحتاج إلى قواميس حديثة لفك شفرتها. يجب أن نعي أننا لا نتعامل اليوم مع نسخ مكرَّرة منا، بل مع جيلٍ وُلد في بيئة رقمية، وتكوَّن وعيه وسط تدفق هائل من المعلومات والانفتاح والتنوُّع. جيل لا يعيش كما عِشنا، ولا يفكِّر كما فكَّرنا. وإذا تجاهلنا هذه الحقيقة، فسنظل نصرخ أو نأمر... من دون أن يُسمع لنا صوت. هذا الجيل لا يستقبل الأوامر بنفس السلاسة التي اعتدناها، لأنه لا يرى في السُّلطة قيمة. فالفجوة لم تعد مجرَّد اختلاف في الأسلوب، بل باتت اختلافاً في فهم الحياة ذاتها. جيل اليوم يتعامل مع المعلومة بطريقة مختلفة، ويستخدم وسائل التواصل للتعبير، ويتبنَّى مفاهيم لم تكن جزءاً من قاموسنا القديم. بينما نجد أنفسنا، نحن الجيل السابق، نحاول فهم هذه التغيُّرات، لكننا نواجه صعوبة في مواكبة سرعة تطوُّر هذه اللغة الجديدة. لذلك، فإن إعادة النظر في أساليب التربية التي نتبعها هي ضرورة مُلحَّة. يجب أن نفهم أن التغيير لا يعني التخلي عن القيم، بل إعادة صياغتها بطريقة تتناسب مع احتياجات العصر الحديث. يجب أن نكون مستعدين للضغط على زر «ريستارت»، وبدء رحلة جديدة نحو تربية مختلفة نبني فيها فكراً تربوياً أكثر وعياً وعُمقاً. في الختام، آن الأوان أن نُعيد التفكير في التربية لا كسُلطة، بل كعلاقة تنمو مع الزمن. لنحول «ريستارت للحياة» من شعار إلى نقطة بداية وممارسة يومية، صادقة، مرنة، ومتجددة. فلنبدأ من جديد، ونتعلَّم من هذا الجيل كما نعلمه. ونسأل الله أن يكون في عوننا، نحن جيل الآباء، نحاول أن نوازن بين ما نشأنا عليه، وما يتطلبه هذا الزمن المتسارع. لعلنا نغلق الفجوة، ونصنع تربية تليق بالحياة كما أصبحت... لا كما كانت.
تعليقات
إرسال تعليق