القائمة الرئيسية

الصفحات

لغز "محسبتهاش": من هو الرجل الذي لم يُلحن أغنية... بل كشف وجعًا جماعيًا وتصدر التريند العالمي ؟

الكاتب الصحفي والناقد الفني: عمر ماهر

في زمنٍ امتلأت فيه الأغاني بالتمثيل أكثر من الإحساس، وبينما كانت القلوب تبحث عن لحظة صدق تُشبه وجعها، خرجت علينا أغنية "محسبتهاش" لا ككلمات عابرة، ولا كصوت مألوف، بل كلغز حقيقي محكم الأركان... أغنية حملت توقيع صوت رامي جمال، لكنه لم يكن وحده فيها. خلف الكلمات، وبين الضربات الموسيقية الخفية، وداخل كل وقفة صوتية تنهشك قبل أن تكتمل، يقف اسم: علي الخواجة.
فمن هو هذا الرجل؟ ومن أين خرج؟ ولماذا بدا وكأنه لم يكتب لحنًا بل شرّح علاقة؟ فلنفتّش في هذا اللغز، بندًا بندًا… كما يُفتّش الطبيب عن السبب الحقيقي للموت.

اللغز الأول: من هو الذي لم يُلحن "محسبتهاش" بل كشف بها المستور؟

من هو ذلك الموسيقي الذي لم يتعامل مع الكلمات على أنها أبيات، بل تعامل معها كأشلاء؟ من الذي جعل من صوت رامي جمال حالة انهيار مستمر، لا يجد فيها المستمع لحظة ليتنفّس؟ من هو الذي صاغ اللحن كأنه تقرير تشريح بعد خيانة؟
الإجابة:
إنه علي الخواجة، الملحّن الذي لم يطلب من المستمع أن يُطرب، بل أجبره أن يتألم. لم يكن اللحن مجرد موسيقى تُدندن في الخلفية، بل كان نزيفًا صوتيًا، رافق الكلمات كأنّه ظلها، يُصعّد الجملة حين تحتضر، ويكسر الإيقاع حين يقترب القلب من التصديق. كان علي الخواجة يعرف تمامًا أن هذه الأغنية ليست "موقفًا"، بل "انهيارًا"، لذلك لحنها لا كأنها مسار لحب انتهى… بل كأنها مرثية لمن قرر أن ينجو بنفسه من الحب.

اللغز الثاني: من كتب الكلمات... وكأنها رسالة صوتية لم تُرسل أبدًا؟

من هي الكاتبة التي اختارت كلمات لا تتجمّل؟ من هي التي كتبت "محسبتهاش" وكأنها نزفتها؟ من التي اختارت جملًا مثل "القسوة وحشة، وإنت برضو قسيت"، لتقول فيها كل ما لا يُقال؟ من التي كتبت: "قلبك يعوضني؟ دي صعبة مهما عاش"، وكأنها حكم إعدام على كل محاولات الاعتذار القادمة؟
الإجابة:
إنها هاجر نبيل، التي وضعت الحروف على فم القلب مباشرة. لم تكتب كلمات مفرطة في التجميل، ولم تذهب في الاستعارات، بل كتبت ما يُقال داخل الحمّام، بعد البكاء، بعد الانفجار، بعد ما تهدّك الإنسان. كانت الأغنية في يدها تشبه اعترافًا جافًا، لا يحمل غفرانًا، ولا يطلب تفسيرًا… فقط ينطق بما لا يُنسى. هذا النوع من الكتابة لا يُدرس… بل يُشعَر. وهي شعرت. وكتبت.

اللغز الثالث: من الذي وزّع الغضب... دون أن يرفع الصوت؟

من هو الرجل الذي لم يكتفِ بجعل الموسيقى تواكب اللحن، بل جعلها تسير في شرايين الأغنية كأنها دم جديد؟ من هو الذي وزّع هذا العمل ليمنح كل جملة توقيتًا يشبه طلقة رحمة؟ من هو الذي جعل حتى الصمت داخل الأغنية يبدو وكأنه قرار نهائي بعد علاقة فاشلة؟
الإجابة:
إنه وسام عبد المنعم، موزّع لا يبحث عن "الشو"، بل عن المعنى. كل طبقة صوتية في التوزيع كانت بحساب. الوتريات ليست للزينة… بل للوجع. النبضات ليست لإبقاء الإيقاع… بل لترسم قلق القلب. وحتى الفواصل الموسيقية جاءت كأنها فسحة لالتقاط النفس بعد خنقة صوت رامي جمال. لم تكن مهمته أن يصنع توزيعًا "حلوًا"، بل أن يضعك كمستمع في مكان لا تعرف كيف تهرب منه… ولا من نفسك فيه.

اللغز الرابع: من الذي غنّى لا ليحكي قصة… بل ليكشف جُرحك أنت؟

من هو رامي جمال في هذه الأغنية؟ هل هو راوي؟ أم ضحية؟ أم مرآة؟ من هو ذلك المطرب الذي دخل الأغنية كأنه يقف على باب ماضيه، وقال: "وفر كلامك… مش وقته"؟ من الذي لم يحاول أن يُزيّن صوته، بل أطلقه كما هو… مجروح، مشقق، متوتر؟
الإجابة:
رامي جمال لم يكن يغنّي هنا فقط… بل كان يتذكّر. كان يقول "أنا قلبي ضاع مني ومعرفلوش مكان"، وكأنه يُخبرنا أن هناك أشياء حين تضيع… لا تعود أبدًا، ولا يتم استبدالها. لا بالأغاني، ولا بالأحضان، ولا حتى بالندم. رامي لم يكن مؤديًا، بل شريكًا في حالة. كل "جملة غنائية" كانت تنهيدة، وكل "قرار صوتي" كان موقفًا أخلاقيًا. أغنية فيها الصدق أعلى من النغمة… وأقسى من القرار.

اللغز الخامس: من هو الرجل الذي لم يتصدر التريند… بل صنعه؟

في زمن الترندات السريعة، جاءت "محسبتهاش" من العدم، لكنها بقيت. تصدرت القوائم، اجتاحت حالات الواتساب، دخلت بيوت الحزانى، ومجالس المُحبين الخاسرين. لكن السؤال الأهم: من الذي جعل هذا العمل يستحق أن يُتداول؟ من الذي جعله يتجاوز الأغنية، ليتحول إلى "حالة عامة"؟ الجواب ببساطة: علي الخواجة.
ليس لأنه لحنها فقط، بل لأنه قرر أن يتعامل مع "الفقد" كحقيقة لا كموضوع. لقد فهم أن القلوب المنكسرة لا تبحث عن الأمل… بل عن مَن يشبهها. وبهذا، أصبح هو لحنهم، حتى لو لم يعرفوه.

اللغز الأخير: هل نحن الذين محسبناهاش… أم هم؟

تأتي الأغنية في نهايتها كجملة قاسية: "شكراً عشان فوقتني". هذه ليست عبارة ندم… بل يقظة. اللحظة التي يدرك فيها الإنسان أن الحب قد خَدَعه، وأن الأمل ليس دائمًا نعمة، وأن الطيبة الزائدة قد تكون سببًا في الخراب. "محسبتهاش" ليست فقط عنوان الأغنية… بل ربما تكون عنوانًا لقصصنا جميعًا.
فمَن منّا لم يُحب دون حساب؟
مَن منّا لم يخسر دون مقابل؟
مَن منّا لم يُجبر على النهوض دون أن يكون مستعدًا؟
"محسبتهاش" ليست مجرد أغنية... بل تحقيق نفسي موسيقي في وجع من نوع خاص.
وإذا كان علي الخواجة قد وضع اللحن… فنحن، كلنا، كتبنا التفاصيل.
ولسنا متأكدين بعد… إن كنا فوقنا.

تعليقات