الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر
هي مش بس أغنية، هي حالة، صرخة حبّ ناعمة، ضحكة صادقة نازلة من بين الدموع، وجع ناعم بيدوّي متل الطبطبة، وأمل كبير بيولد من بين كلمات ما بتشبه غير الحقيقية. "تسلّملِي"، الأغنية اللي ما إن نزلت على كل المنصات، حتى قلبت الطاولة فوق التوقعات، وخربطت موازين الأغنية الرومانسية، وانتشرت كالنار بالهشيم على السوشيال ميديا، خصوصًا على تيك توك وإنستغرام ويوتيوب، وصار الناس يردّدوها بكل عفوية، وكأنّها مش بس أغنية، إنما مرآة عم تعكس قصصهم، مشاعرهم، وعلاقاتهم اللي لسه فيها أمل، رغم تعب السنين.
المفاجأة مش بس بصوت لطيفة اللي حوّل كل كلمة لنبضة، وكل جملة لصورة بتتحفر بالذاكرة، المفاجأة الأجمل كانت بتوقيع الشاعر حسام سعيد والملحن سامر أبو طالب، اللي قدروا يحطّوا بصمتهم على عمل ناعم، عميق، بيضحّك، وبيبكي، وبيحضن، وبيخلي القلب يرجف بفرح ما بينوصف. كلمات الأغنية، من أول جملة لآخر تنهيدة، بتنقط صدق، كأنها مكتوبة بين سطر وسطر من دفاتر الحب الحقيقية: "تكشيرتي بتقلب ضحكه لو شوفتك جايّ عليا، ومشاكلي بحالها بتتنِسي أول ما بتضحك ليا"... هيدا مش غزل عادي، هيدا ترجمة حرفيّة لإحساس كل حدا حسّ بالأمان بعين اللي بيحبّو.
حسام سعيد، الشاعر اللي دايمًا بيفاجئنا بكل عمل جديد، ما كتب مجرد كلمات، كتب رواية صغيرة بلغة موسيقية، فيها النَفَس، واللهفة، والسكينة، والخوف، والشكر، والرُقي. كتب قلب بنت عاشقة مش قادرة تتخيّل لحظة بدون حبيبها، وعيونها شايفاه الستر والضهر، ومهما حكت عنه بتضلّ عم تقصّر، وبتقول: "كل اللي أنا قولته حبيبي ده نقطة ف بحر، صدقني". مشهد كامل بيتكشّف بلحن سامر أبو طالب، اللي ما لَحّن، قد ما رسم موسيقى بتتنفس حب، وبتدفي الروح، وبتحاكي تفاصيل العلاقة من أول شهقة للآخر حضن.
أما التوزيع، فكان بمثابة القلب النابض للأغنية، توقيع خالد نبيل، واللي عرف كيف يزرع نغمة ناعمة بوسط كل جملة، يترك فراغات موسيقية للدمعة، للنظرة، للابتسامة، لضحكة مفاجئة من قلب موجوع... كل شي مدروس، كل آلة داخلة بالوقت الصح، كل كورد ورا كورد، بيعكس نضج فني نادر، وذكاء موسيقي بيعرف كيف يترك أثر مش مجرد صدى.
الأغنية تخطّت حدود النمطية، وقدّمت الحب بلغة جديدة، بعيدة عن الكليشيهات الرومانسية، فبدل ما تقول "بحبك وموت فيك"، قالت "أنا بيك يا حبيبي نصيبي الحلو من الدنيا وصلي". بدل ما تحكي عن ضعف أو دموع، حكَت عن قوّة العلاقة، عن الضهر، عن الدفا، عن الرجولة والوفا، عن الشكر اللي طالع من أعماق القلب، وعبّرَت عن العِشرة بكرامة وأصالة مش سمعنا متلن من قبل.
"تسلّملِي" ما هي مجرد hit، هي عمل فني عم يترك بصمة بكل قلب عم يسمعه، وهي شهادة نجاح لثنائي استثنائي: حسام سعيد وسامر أبو طالب، اللي قدروا يكسّروا قواعد التقليد، ويحطّوا قالب جديد للأغنية الرومانسية: قالب فيه نضج، صدق، عُمق، وبساطة بنفس الوقت، وهي معادلة شبه مستحيلة، بس صارت حقيقية على أيديهم. انتشار الأغنية على مستوى الوطن العربي والعالم، ما كان صدفة، بل نتيجة مزيج فني ناضج وواعٍ، عرف كيف يخاطب قلب الحبيبة، وأمان الحبيب، وصدى الوجع الجميل اللي ما بيتنسي. واللي زاد من قوّة العمل هو أداء لطيفة، النجمة اللي عودتنا تكون صاحبة إحساس عالي، بس هون، قدرت تطلع برّا نفسها، وتغني كأنها عم تحكي باسم كل الستات، وتقول لكل راجل بيستحق كلمة "تسلّملِي" بجدارة: "انت المعنى.. وانت الحضن اللي فيه الدفا".
وإذا سألنا اليوم شو يعني أغنية تنجح؟ الجواب صار بسيط: لما كلماتها تحكيك، ولحنها يحضنك، وتوزيعها ينقلك، وصوتها يخلي دمعتك تسبق ضحكتك... ولما تحس إن اللي كاتبينها، مش قاعدين يفتّشوا على rhyme، بل عايشين الكلمة قبل ما يكتبوها. بهالوقت اللي الكلمة الحقيقية صار إلها عمر قصير، رجعت "تسلّملِي" تحيي الحكي الحلو، وترجع تبنيلنا جسر من الغزل المحترم، والمشاعر الراقية، والاعتراف بالجميل، من خلال أغنية لا فيها تكلّف، ولا فلسفة، بس فيها... حياة.
تعليقات
إرسال تعليق