القائمة الرئيسية

الصفحات



بقلم: أحمد الشبيتي 


يا لها من أيام.. أيام كانت المدرسة فيها واحة للعلم والأخلاق، وزمنًا كان المعلم فيه مثل الأب، والطالب يحمل قلمه وكراسته بكل فخر، ليس له هم إلا أن يتعلم ويحترم. زمن لم نكن نعرف فيه "الدروس الخصوصية"، ولا "الإنترنت"، ولا كل هذه الضوضاء التي أفسدت براءة التعليم.  


زمن العصا.. زمن الاحترام

في ذلك الزمن الجميل، كانت العصا ليست أداة تعذيب، بل رمزًا للهيبة والاحترام. كان المعلم يرفعها فلا يجرؤ أحد على التحدث بغير أدب، ولا على التهرب من الواجب. كنا نخاف من نظرة المعلم أكثر من خوفنا من عصاه، لأننا كنا نعرف قيمته.. نعرف أنه "مِنْ حَقِّ الْمُعَلِّمِ عَلَى تَلَامِيذِهِ أَنْ يُحَيُّوهُ بِتَحِيَّةٍ خَاصَّةٍ، وَأَنْ يُصْغُوا إِلَيْهِ بِكُلِّ جَوَارِحِهِمْ"، كما قال عم "حسن" وهو يشد "الكرنبة" بيديه المليئتين بحكايات الزمن الجميل.  


زمن السبورة والتباشير

لم تكن هناك شاشات ذكية، ولا ألواح إلكترونية.. كانت السبورة الخشبية السوداء وقطع الطباشير هي وسيلتنا للتعلم. كنا نكتب بحب، ونمسح باحترام، ونحفظ كل كلمة يخطها المعلم بأسلوب بديع. حتى صوت الطباشير على السبورة كان له رونق خاص، وكأنه يغرس فينا حب العلم شيئًا فشيئًا.  


زمن لا تبرج فيه.. ولا "محزق" ولا "مقطع" 

لم تكن هناك "موضات" تشغل الطلاب عن العلم، ولا "رسومات على الشعر"، ولا اهتمام بالمظاهر أكثر من الجوهر. الفتيات كن يلبسن باحتشام، والطلاب يرتدون زيهم المدرسي بكل بساطة، لأن التركيز كان على ما بداخل العقل والقلب، لا على المظهر الخارجي.  


زمن الضحكة البريئة 

كنا نضحك من القلب، دون سخرية مبطنة، ولا حقد، ولا غل. كنا نلعب في الفسحة بألعاب بسيطة، نتبادل فيها الأكل، ونروي قصصًا عن "القطه" التي كانت تخاف من صوت "الكوراسه" (المروحة)، أو عن حكايات "الجغرافيا" التي كنا نحفظها كأنها أغنية.  


نريد العودة.. ولكن!

اليوم، اختلف الزمن.. أصبحت الدروس الخصوصية تجارة، وأصبح المعلم مجرد "موظف" في نظر البعض، والطلاب ينشغلون بالهواتف أكثر من الكتب. لكني أتساءل: هل يمكن أن نعود إلى ذلك الزمن الجميل؟ زمن الاحترام، زمن البراءة، زمن كان فيه التعليم رسالة والمدرسة بيتًا ثانيًا؟  


نعم، يمكن.. لكنه يحتاج إلى أن نعيد للتعليم قيمته، وللمعلم هيبته، وللطالب براءته. لنكن مثل ذلك الجيل الذي عرف معنى "أستاذي قدوتي"، وليكن شعارنا دائمًا: **"العلم في الزمن الجميل لم يكن مجرد معلومات.. كان تربية، أخلاقًا، وإنسانًا."

تعليقات