بقلم: محمود سعيد برغش
في أحد أكثر مشاهد هذا العام إيلامًا، ظهرت فتاة تُدعى "بسملة" على مواقع التواصل الاجتماعي، تبكي بحرقة وتُعلن أنها طُردت من منزل جدها بعد نجاحها في الثانوية العامة.
بسملة لم تُطرد لأنها أخفقت، بل لأنها نجحت، ولكن ليس كما أرادوا.
كأن النجاح صار نقمة، والحب جريمة، والبيت مكانًا يُحاكم فيه الأبناء على مشاعرهم.
صرخة بسملة: "بابا مش عايزني عشان بحب أمي.. وجدي بيضربني.. طردوني عشان مجموعي مش على مزاجهم"، لم تكن مجرد كلمات، بل كانت مرآة لحقيقة موجعة: أن البعض يولد في بيوت لا تعرف الرحمة.
حين يسقط البيت من تعريف "الوطن"
البيت ليس مجرد مأوى، بل هو المصدر الأول للأمان والدعم.
لكن ما الذي يحدث حين يتحوّل إلى مكان يفتقد للدفء، وتُغلق فيه الأبواب قبل أن تُفتح القلوب؟
بسملة لم تكن تبحث عن مكافأة، بل عن احتواء. عن كلمة طيبة، أو حتى صمت لا يؤذي.
في لحظة، وجدت نفسها مطرودة، تائهة، تبحث عن إجابة:
لماذا تحوّل أقرب الناس إلى خصوم؟ ولماذا صار النجاح لا يكفي للقبول، إن لم يكن مُغلفًا بالخضوع والخوف؟
الطلاق لا يقتل الأبناء.. ولكن الكراهية تقتلهم
لم يكن طلاق والديها هو السبب، بل الطريقة التي تم بها توجيه هذا الطلاق نحو قلب الطفلة.
تحوّلت بسملة إلى أداة للصراع، ومرآة لحسابات الكبار، فكان العقاب الأكبر أنها أحبت من لا يُراد لها أن تحبّه.
وهنا نطرح سؤالًا صريحًا:
هل يملك الكبار الحق في معاقبة الأبناء على مشاعرهم؟ وهل الأبوة تُمنح فقط لمن يمسك دفتر الدرجات، أم لمن يحمل في قلبه الرحمة؟
من يُعيد لبسملة كرامتها؟
ما حدث مع بسملة يستدعي تدخلًا عاجلًا من الدولة والمجتمع.
لسنا بحاجة إلى تعاطف عابر، بل إلى آلية قانونية تحمي كل طفل يتعرض للأذى داخل بيته.
فالأذى النفسي لا يقل خطرًا عن الجسدي، والطرد من البيت لا يجب أن يكون قرارًا عاديًا في حياة فتاة في عمر الزهور.
أين دور المؤسسات؟
أين المجلس القومي للطفولة؟ أين دور المدارس بعد الثانوية؟ أين صوت الدولة حين يُهان أبناؤها من ذويهم؟
نحن مجتمع مسؤول عن كل بسملة
كل طفل يُترك وحيدًا في مواجهة القسوة هو مسؤوليتنا جميعًا.
وكل فتاة تُطرد لأنها "مش على مزاجهم"، يجب أن نفتح لها أبوابًا بديلة: أبواب العدالة، وأبواب الوعي، وأبواب الرحمة.
بسملة لم تفشل، لكنها كُسرت.
لم تطلب الكثير، فقط كانت تتمنى أن تكون إنسانة تُعامَل بما تستحق.
وقبل أن نلومها أو ننساها، لنسأل أنفسنا:
كم بسملة أخرى تنتظر في الظل؟
وكم بيتٍ نحتاج لإعادة بنائه من الداخل، قبل أن نُشيّده بالحجر
تعليقات
إرسال تعليق