الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر
في زمن الحفلات المؤقتة، والإصدارات التي تُنسى بعد أسبوع، خرج صوتٌ يشبه الذاكرة، يشبه ما كنّا ننتظره دون أن نعلم، فوقف وسألنا بلا صوت: "وريني... هل اشتقت لي فعلاً؟" لم يكن الإعلان عن ألبوم، بل كان تلويحة من رجل يعرف طريقه، ورجل لا يُجرب بل يُجيد. فمَن هو؟ ولماذا حين يقول "أنا راجع"، يُفتح الباب للفن لا للضجيج؟ لنبدأ رحلتنا عبر ألغاز الألبوم الجديد… ونعثر على الأجوبة المخبوءة بين المقاطع، بين الأغاني… وبين السطور.
اللغز الأول: من هو الرجل الذي لا يصنع ألبومًا… بل يحضّر موسمًا؟
من الذي لا يُطلق برومو فقط… بل يطلق شُعورًا عامًا أن شيئًا كبيرًا قادم؟ من الذي لا يطرح أغنية… بل يُعلن عودة؟ من الذي لا يدخل بصوتٍ جديد فقط، بل بروح متجددة؟ من الذي يكتب عناوين الأغاني، فنقرأ بينها أفكاره لا أسمائها؟ من الذي يقول "وريني"، لكنه يقصد: "وريني هل أنت مستعد لسماع الفن من جديد؟"
الإجابة:
إنه محمد نور، الفنان الذي لا يكتفي بطرح ألبوم، بل يصنع حدثًا موسيقيًا له طقوسه وتوقيته وتأثيره، هو لا يدخل السوق بـ"ست أغنيات"، بل بستة رسائل مشفّرة، كل واحدة منها تحمل توقيع مرحلة، ونبض جمهور، ولهجة فنية تخصه وحده،
حين أعلن عن ألبومه الجديد "وريني"، لم يكن يخاطب الأذن فحسب، بل العاطفة، الحنين، الذوق، والفضول الفني الذي غاب في زحام الضوضاء، لقد قدّم لنا بوسترًا، فقرأناه كبيان،
وطرح بروموًا، فشعرنا أنه إعلان عن مرحلة لا عن منتج، كل خطوة بدت محسوبة، كل تفصيلة مشغولة لا لمجرد التأثير، بل للتماس مع ذاكرة محبيه، محمد نور لا يقدّم ألبومًا لمجرد التواجد، بل ليقول: أنا هنا، لكنني بشكل جديد... دون أن أخسر نبرة الصوت التي عرّفتموني بها يومًا.
اللغز الثاني: من هو الفنان الذي يجمع الأغنية الحديثة... بروح الثبات؟
من الذي غيّر شكله الفني… دون أن يضيّع صورته؟ من الذي يُجدد ألحانه… دون أن يفقد ملامح صوته؟ من الذي يقترب من الذوق العام… دون أن يذوب فيه؟ من يغامر دون أن يتنازل، ويُنوّع دون أن يتشتّت؟ من الذي يقول في ألبومه: "أنا كل هؤلاء... لكنني ما زلت أنا"؟
الإجابة:
هو محمد نور، الذي في ألبومه "وريني" نسج خليطًا متقنًا بين الحداثة والتجربة، بين التجريب والأصالة، بين التطوير والهوية، لا تسمع أغنية واحدة تشبه الأخرى، لكنك تعرف في كل مقطع أن الصوت... هو صوته، الملامح لم تتغير، لكنها نضجت، وكأننا نرى فنانًا لا يبدأ من جديد، بل يُكمّل رحلته بوعي مختلف،
في هذا الألبوم ستجد "كنا ناويين خير"، فتسمع فيها ندم القلب الذي جرب، و"أهلًا وسهلًا"، فتقرأ فيها بابًا مفتوحًا لصُلحٍ متأخر، و"عاجبك حالي"، كأنها رسالة ثقة من رجل لم يطلب التصفيق، لكنه يستحقه، أما "من السبت للخميس"، فهي سرد غنائي لحياة يومية مألوفة نعيشها، لكنها منغّمة بصوت يُشبه من يغني داخلنا، ومع كل لحن، وكل كلمة، تشعر أن محمد نور لا يغنّي فقط… بل يُفسّر شعورًا خامًا لم نعرف كيف نقوله.
اللغز الثالث: من يختار أغانيه… كمن يختار ملامحه؟
من الذي لا يجمع أغنيات لمجرد العدد، بل يُفصّل كل واحدة كأنها قطعة ثياب على مقاس الروح؟ من الذي يُراهن على الكلمة، ولا يسمح للحن أن يسطو على المعنى؟ من الذي ينتقي أسماء أعماله وكأنه يضع عنوانًا لفصل من حياته؟ من الذي لا يقول "هذه كلمات"، بل يقول "هذا أنا بصيغة أخرى"؟
الإجابة:
إنه محمد نور، الذي كان من الممكن أن يصدر ألبومًا من 12 أغنية، لكنه اختار 6 فقط، 6 كفاية ليُقال من خلالها كل شيء، اختار أن يُركّز بدل أن يُشتّت، أن يمنح لكل أغنية فرصة أن تُسمع لا أن تُمر، وهنا يظهر الفرق بين فنان يصنع "مادة"، وفنان يصنع "أثر"، في ألبوم "وريني"، هناك دقة في بناء الأغنية، في اختيار الكلمة، في تفاصيل التوزيع، في النَفَس الذي يُقال في مكانه،
هو ليس ألبومًا غنائيًا عاديًا، بل خريطة فنية موقعة من محمد علام إنتاجًا، ومن كيوب ميوزك رؤية، ولكن قبل كل ذلك… موقعة من محمد نور، قلبًا وموهبة وخبرة، لقد جلس طويلًا يُراجع كل تفصيلة، لأن ما سيصدر باسمه... يجب أن يُشبهه، ولا يشبه السوق فقط.
اللغز الرابع: من يعود... دون أن يطلب مكانًا؟
من هو الفنان الذي لا يُنادي جمهوره... بل يجعلهم ينتظرونه؟ من الذي لا يركض خلف التريند... بل يصنعه؟ من الذي لا يحتاج أن يشرح عودته... لأن كل أغنية تشرح نفسها؟ من الذي يعرف أنه حين يقول "أنا هنا"، فإن الجميع يعرف أنه كان حاضرًا أصلًا؟
الإجابة:
إنه محمد نور، الذي لم يُبالغ في إعلان ألبومه، بل قدّمه بثقة هادئة، كفنان يعرف أن جمهوره ما زال ينتظر، وما زال يذكر، وما زال يحترم رحلته، لقد بنى جمهوره لا بالضجيج، بل بالاستمرارية، لا بالشُهرة اللحظية، بل بالرصيد الحقيقي، ألبوم "وريني" لا يُمثّل بداية، بل يمثل تكملة لفصل متقدّم، رجل لديه سجلّ من الأغاني التي لا تزال تُسمع وتُطلب وتُردد، واليوم، يفتح فصلًا جديدًا بنفس الروح… لكن بألوان أخرى، وهذه القدرة على التجديد دون التنازل، هي ما لا يملكه إلا القليلون، القليل جدًا.
اللغز الأخير: من لا يغيّر اللعبة… بل يعيد ترتيبها؟
من الذي لا يقول "أنا عائد"، بل يجعل الآخرين يقولون: "نحن بحاجة إليه"؟ من الذي لا يدخل الساحة ليستعرض، بل ليُثبت أن الفن الحقيقي لا يغيب؟ من الذي يصدر ألبومًا لا ليُملأ منصات الاستماع فقط، بل ليملأ القلب؟ من الذي يُعد عودته بمشروع متكامل… لا بصدفة؟
الإجابة:
هو محمد نور، صاحب الألبوم الجديد "وريني"، الذي جاء في صيف 2025 كحدث، لا كمنتج، كعودة موزونة... لا كارتجال، ومن خلاله، أعاد ترتيب مكانته لا بالصوت فقط، بل بالنية، بالإخلاص، بالعمل المدروس، ليؤكد أن الفنان الحقيقي لا ينتهي، بل يتجدد، ويُثبت أن الذوق العام لم يمت، بل ينتظر من يُخاطبه بلغة صادقة، واضحة، موسيقية، ومتطورة في آن واحد.
تعليقات
إرسال تعليق