القائمة الرئيسية

الصفحات

لغز الكلمات: من هو الرجل الذي سكب مرارة الطيبة على ورق؟



الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر 


في زمنٍ تُباع فيه المشاعر بالكيلو، وتُصنَّع فيه الكلمات على عجل، خرج صوتٌ لا يشبه الآخرين… صوت يعرف الطيبة جيدًا، لأنه جرّبها حد الانكسار. شاعر لم يتحدث عن الحب، بل عن وجع من آمن به. فمَن هو؟ ومن تلك التي أنطقت الحرف بجُرحٍ لم يندمل؟ وماذا تقول الأغنية التي تبدأ بنبض وتغرق في صدمة؟ لنفتح ألغاز الأغنية... واحدة تلو الأخرى، ونحاول أن نقرأ ما وراء السطور.


اللغز الأول: من الذي فضح الطيبة… لا ليستنكرها، بل ليفهمها؟**


من هو الشاعر الذي كتب عن "الطيبة" لا كفضيلة فقط، بل كألم؟ من الذي قال: "لساك بتشوف الناس حلوة؟" لا ليسخر… بل لينبّه؟ من الذي جرّب الطيبة، ثم عاد منها محطمًا؟


الإجابة:


إنه محمود سليم… ذلك الشاعر الذي لا يتعامل مع الكلمة كأنها نغمة تُركّب، بل جرح يُستخرج. حين كتب "اسمع يا طيب"، لم يكن يكتب أغنية عاطفية بالمعنى التقليدي، بل كان يُقدّم مرآة. مرآة لكل من ظنّ أن الطيبة تُنقذ، أو أن الناس تُشبه ما تقول. "لساك بتشوف الناس حلوة؟" ليست سؤالًا بل خيبة. وكأن الشاعر يصرخ في القارئ: "هل ما زلت تؤمن؟ وهل لم تُخدع بعد؟"، هي ليست كلمات بل محاكمة داخلية، كتبها رجل لم يعد يرى الطيبة بريئة، بل طعنة مغطاة بالعسل. وفي كل سطر، تشعر أن محمود سليم كان يكتب بكفّين مرتجفتين من التجربة، لا بالخيال، ويُحذّر لا بالوعظ، بل من قلب الحكاية التي عاشها، كأن كل كلمة نزفت قبل أن تُكتب.


اللغز الثاني: من الذي جرّح البراءة دون أن يُدينها؟


من هو الذي قال إن الثقة مصيبة؟ من الذي أشار بإصبعه نحو الطيب، لا ليتهمه، بل ليوقظه؟ من الذي جعل من "الأمان بالناس" قنبلة موقوتة؟ من الذي قال الحقيقة دون أن يُجمّلها، ولم ينتظر تصفيق أحد؟


الإجابة :


مرةً أخرى… هو محمود سليم. الذي يرى في كل طيبة غير محسوبة، خطوة نحو هاوية نفسية. في أغنيته، لم يقل إن العالم شرير، بل قال ببساطة موجعة: "لو لسه مكمل ومصدق… ومأمن ناس تبقى مصيبة"، كأن الإيمان بالناس صار تهمة، وكأن الطيب في زمنه أصبح مشروع خذلان متنقّل. لم تكن الجملة فقط "تويته قوية"، بل خلاصة معاناة. فقد قالها شاعر خسر من منحهم الثقة، وذوّقته الحياة مرارة أنه رأى فيهم النور… فاكتشف بعد فوات الأوان أنهم أقنعة. وبكل بساطة، حول هذه الكلمات إلى لطمات رقيقة، توقظ لكنها لا تجرح، تنبه لكنها لا تحتقر البراءة، لأنها جاءت من شاعر يعرف الثمن... لا يُهاجم الطيب، بل يُنقذه من سذاجته.


اللغز الثالث: من هي تلك التي غنت… وكأنها تئن؟


من تلك التي لم تُؤدِ الأغنية، بل عاشت كلماتها؟ من التي لم ترفع الصوت فقط، بل خفضت القلب؟ من جعلت "اسمع يا طيب" كأنها مناجاة… لا غناء؟ من أدخلتنا إلى نص محمود سليم كأنها تفتح أبواب الذاكرة؟


الإجابة:


إنها إنچي نصر… الصوت الذي لا يصيح، بل يهمس في جرحك.

حين غنت "اسمع يا طيب"، لم تكن مجرد مطربة تؤدي كلمات قاسية على مقام حزين، بل كانت ناقلًا حقيقيًا لحالة شديدة العمق والخصوصية. وكأنها هي أيضًا مرّت من هناك، من ذات الطريق الذي سار فيه محمود سليم، وكأن كل كلمة كانت توقظ فيها وجعًا قديمًا، فخرج صوتها لا فنيًا فقط، بل إنسانيًا، فيه من العتاب ما يكفي، ومن الحزن ما يُطفئ، ومن الفهم ما يُدهشك. لم تحاول إبهارنا بالصوت، بل مررت بين الكلمات وكأنها تخشى أن تُوقظ الجرح أكثر. وبهذا الأداء، لم تغنّ الأغنية… بل شرحتها


 اللغز الرابع: من قال إنّ "الضحكة"... قد تكون فخًّا؟


من الذي حذّر من "الضحكة" و"الكلمة" و"القُرب"؟ من قال إنك تُفتح لهم أبوابك... وهم يحملون القسوة في جيوبهم؟ من الذي جعل الدفء يبدو كذبة؟ من الذي قال لك: "انتبه... الطيب يخسر"؟


الإجابة:


هو محمود سليم، الذي لا يكتب ليواسيك، بل ليوقظك.

في أحد أكثر مقاطع الأغنية اختناقًا، كتب: "من ضحكه وكلمه بتفتحله… فقلبك والقسوة تعديله". هذه ليست جملة عادية، بل تحليل نفسي كامل لجريمة الطيبة. هو لا يتكلم عن شخص، بل عن نمط. عن وجوه تمرّ بنا وتدخل من منافذ الحنان، وتُعيد برمجة مشاعرنا لتجعل من القسوة شيئًا طبيعيًا. محمود كتب هذه الجملة كأنه يكتب "أمر دفاع"، لا لتحصين القلوب من الحب، بل من السذاجة، من التكرار المميت للخذلان. وفيها، أراد أن يقول لك: لا تتعلّم الطيبة بالمجّان، لأن الثمن في هذا الزمن غالٍ جدًا.


اللغز الخامس: من لحن الرحيل… فبقي معنا؟


من هو الذي غاب بالجسد… لكن نغمتُه بقيت تُنير الكلمات؟ من لحّن هذه الأغنية كأنها كانت آخر ما يريد أن يقوله للعالم؟ من جعل الأغنية تبدو كأنها حوار بين الحياة والموت؟


الإجابة:


الراحل محمد عبد المجيد… الذي ترك لحنًا يُشبه وصية فنية.

لحنه كان بسيطًا في الظاهر… عميقًا في الباطن، لا يتكلّف، لا يُزاحم الكلمات، بل يفسح لها الطريق، وكأنه يعرف أن النص فيه ما يكفي من الألم، فلا حاجة للتعقيد. وكان صادقًا إلى حد يجعلك تشك أن هذه ليست لحنًا، بل شعورًا نُقل إلى نوتة، وتحوّل إلى صوت. غاب محمد عبد المجيد عن الدنيا… لكن هذه الأغنية تقول لنا إن الفن النظيف لا يموت.


الختام: هل حللت اللغز؟ أم ما زلت تظن أن الطيبة كافية؟


"اسمع يا طيب" ليست مجرد أغنية، بل كتيب تحذير صغير يُقدّمه محمود سليم لكل من يصرّ أن الطيبة وحدها تكفي، لكل من يفتح قلبه بلا شرط، ولكل من يظن أن الكلمة الطيبة ستردّ الغدر. الأغنية لا تُدين الطيب، بل تقول له: انتبه... فإن الطيبة في غير محلها قد تكون طعنة مغطاة بالورد.

تعليقات