تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، وفي إطار فعاليات معرض بورسعيد الثامن للكتاب، الذي تنظمه الهيئة المصرية العامة للكتاب برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، استضاف المعرض ندوة بعنوان “أثر القراءة على الفرد والمجتمع”، شارك فيها الدكتور محمد عوض، والدكتور خالد سباع، وذلك في إطار التعاون المتواصل بين وزارتي الثقافة والأوقاف ضمن برنامج التحصين الفكري، الذي يصاحب معارض الكتب في مختلف المحافظات المصرية، ويهدف إلى ربط الوعي الديني بالثقافة، وترسيخ مفاهيم الوسطية، وتحصين العقول من الأفكار المتطرفة .
قدّم المتحدثان رؤًى مستنيرة حول أهمية القراءة في تشكيل الوعي، وبناء المجتمعات، وتنمية الفكر، وسط حضور جماهيري لافت .
في كلمته، أكد فضيلة الشيخ الدكتور خالد سباع أن القراءة تمثل حجر الزاوية في بناء المعرفة، وهي الوسيلة الأهم لمجابهة التحديات الفكرية والوجودية التي تواجه الإنسان المعاصر، وقال : “نحن أمة العلم والقراءة، وما من أمة تنهض إلا بالعلم؛ لذلك كانت أول آية في القرآن الكريم هي: اقرأ باسم ربك الذي خلق، فبالعلم نرتقي، وبه نتفاخر، لأن الناس موتى وأهل العلم أحياء” .
وأشار إلى أن المعرفة لا تُنال إلا من أهلها المتخصصين، مستشهدًا بقوله تعالى : فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، مؤكدًا في الوقت ذاته ضرورة التثبت من مصادر العلم والدين، بقوله : “إن هذا العلم دين، فانظروا ممن تأخذون دينكم” .
من جانبه، تحدّث فضيلة الشيخ الدكتور محمد عوض عن الأثر العميق للقراءة في حياة الإنسان، مؤكدًا أنها تنقله إلى عوالم جديدة، وتفتح له نوافذ على الماضي والمستقبل، كما تأخذه إلى أعماق ذاته، وقال: “القراءة تضيء القلوب وتنير الدروب، وهي غذاء للروح والعقل، وأداة فاعلة في بناء الإنسان الواعي” .
واستشهد الدكتور عوض بجذور المعرفة في الحضارة المصرية القديمة، مشيرًا إلى أن سيدنا إدريس –عليه السلام– كان أول من خط بالقلم، ما جعله رمزًا للنهضة المعرفية في التاريخ الإنساني، كما أورد مثالًا بعلم الهدهد في قصة سيدنا سليمان عليه السلام، دلالة على أن التفاخر الحقيقي يكمن في امتلاك أدوات المعرفة والفهم .
وتطرق المتحدثان إلى رؤية الإمام أبي حامد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين، موضحين أن الغزالي رأى في كل فروع المعرفة طريقًا إلى معرفة الله، وأن القراءة الواعية تفتح آفاقًا جديدة للفهم والتأمل، وتكسب الإنسان قدرة على التفكير النقدي والتمحيص العقلي .
وأكد المتحدثان أن أفكار الغزالي تتجاوز حدود الزمان، لتبقى صالحة لفهم تعقيدات الواقع الرقمي، الذي يشهد طوفانًا من المعلومات، وتضخمًا في ظواهر التزييف المعرفي، مما يجعل من تعاليم الغزالي –التي تدعو إلى التحقق لا الانقياد– مرجعًا فكريًا بالغ الأهمية لحماية العقل من الانجرار خلف المحتوى المضلل .
وشدّدا على أن القراءة الواعية، المبنية على التمحيص وتحصين الفكر، هي الوسيلة الأنجع لمواجهة هذا التشوش، وأن الوعي المعرفي لا يتحقق إلا من خلال النقد البناء، واستقلالية العقل، والتمييز بين الغث والثمين .
وفي ختام الندوة، أجمع الحضور على أن القراءة ليست ترفًا ثقافيًّا، بل ضرورة وجودية، وأحد أركان بناء الفرد والمجتمع، وأن غرس حب القراءة في النفوس هو الخطوة الأولى في طريق النهضة الحقيقية
تعليقات
إرسال تعليق