ذلك الوغدُ المتربصُ خلفَ وجبةٍ ضائعة،
الذي يفترسُ أحلامَ الصغارِ في صمتٍ موحش،
يطرُقُ أبوابَ القرى البائسةِ بلا استئذان،
ويجلسُ على مائدةِ الخوفِ كأنه سيّدُ المكان.
وجوهٌ مرقّطةٌ بالفقر،
جِباهٌ تكومتْ فوقها الخيباتُ كأنها جدارٌ من صمت،
وأعينٌ تتأرجحُ بين دمعةٍ وانطفاء،
وأكفٌ لا تعرفُ سوى الاستجداءِ للأملِ الهارب.
أطفالٌ نضجوا قبلَ أوانهم،
تجاهلوا الدمى والمرح،
وحملوا على ظهورهم همّ الحياة،
ينحتونَ رجولتهم من أنينِ البطون.
الجوعُ الذي يسرقُ دفءَ الشتاء،
ويبعثرُ رغيفَ الصباحِ في مهبّ الانتظار،
هو الذي يعلّمهم أن الكرامةَ ليست رغيفاً،
لكنها حربٌ ناعمةٌ في صدورٍ صغيرة.
أمهاتٌ تُخبئ دموعَها في الإزار،
وآباءٌ يخذلهم السؤالُ قبلَ الجواب،
وطفولةٌ تتعلّقُ بشقِّ تمرة،
كأنها تُراهنُ على الحلمِ الأخير.
ومع ذلك، ينهضون...
يركضون فوق رمادِ الأمسِ بأقدامٍ حافية،
يغنّون للحياةِ بأصواتٍ مجروحة،
ويرفضونَ أن يكونَ الجوعُ سيدَ المصير.
فإن كان الجوعُ قد نحتَ ملامحَهم،
فإنّ العزيمةَ قد حفرتْ في قلوبهم وشماً من نور،
يقول: لن نُهزم...
وسنحيا، رغماً عن هذا الجوع المحتوم .
تعليقات
إرسال تعليق