في قصة
""مناقشة دكتوراه""
للقاص أحمد حافظ.
تمهيد
دائما نقول رؤية القاص للمكان تنبثق من خلال تصوره لطبيعة البنية السردية الخاصة بالقصة القصيرة، فالقصة القصيرة لها طبيعتها الخاصة، وبنيتها المتفردة، ولذلك حين يتعامل المبدع مع المكان لابد وأن يكون تعامله تعاملاً مختلفاً حيث يختلف في جوهره وحساسيته عن التعامل مع المكان فى بقية الأنواع الأخرى سواء مسرحاً كان أو رواية أو حتى شعراً
فقد شبهها البعض بأنها :
مجرد عينة أو حزمة ضوئية فهى وريثة الكثافة النثرية لذلك فهي "لا تحكى حكاية ولا تصنع عالماً متماسكاً أو مفككا، إنها عين صقر فاحصة تسلط الضوء على بقعة صغيرة من الحياة نفسها فتظهر فى هيئة شكل مصور. وتعمل زيادة التركيز على أن تبوح هذه البقعة بأسرارها وتكشف كشفاً يشبه كشف الشاعر أو العراف ...
فهي أشبه بطلقة مدفعية وجهها المدفعجي
ليضرب بحدة وبكل قواه الهدف المنشود
ومعنا انموذج لِما ذكرنا عن القصة القصيرة حيث التركيز والتكثيف ومكان سلط القاص احمد حافظ الضوء عليه فكشف لنا عن خباياه ولكن بلغة سلسة وأسلوب فني رائع
واليكم القصة:
قصة (مناقشة دكتوراة )
-----------------
دعا " محسن " أصدقاءه وأقاربه لحضور مناقشة رسالته للحصول علي الدكتوراة طالباً منهم الحضور مبكرين ، وعند وصولهم وجدوا القاعة التي سيتم بها المناقشة غير نظيفة ، فأجلسهم الساعي في قاعة أخري مجاورة ، وعندما دخلوها شعروا بسعادة بلقاء بعضهم البعض ،وتعالت الضحكات واستمروا فى الحوارات الجانبية باهتمام بالغ ، و إسترجاع حنين الماضى والمواقف الطريفة التى حدثت لهم ، حتى سمعوا في الميكروفون من قاعة المناقشة تصفيق بصوت عال وإعلان أن الطالب " محسن " قد حصل علي الدكتوراة بتقدير جيد جدا
__________________________
بقلم / د. #أحمد حافظ
،،مناقشة دكتوراه،،
عنوان يحمل معنى جلل فهذا العنوان يتكون من مفردتين نكرتين كل مفردة منهم توحي بدلالة معينة؛
فالمناقشة:
تستدعي الحضور الذهني والعقلي...
ودكتوراه:
منصب مرموق ومهم وليس بالقليل...
مناقشة دكتوراه عنوان يشعرنا كأننا أمام مانشيت مكتوبا على جدار جريدة رسمية أو عنوانا لفيلم سينمائي يشد المتلقي للمشاهدة..
ناهيك عن تنكير المفردتين جعل المناقشة غير محددة في مجال معين !
بل وجعلها مفتوحة أيضاً مما يؤكد ذلك انه (دعا محسن كل أقاربه وأصحابه)
غاضاً محسن النظر عن ميولاتهم وتخصصاتهم وحتى مهنهم تلك المهن التي كنا نستطيع من خلالها اكتشاف ملامح الشخصية أو حتى زمانها ..هكذا يقول عالم القص.
وبالتعمق نجد أنفسنا نحن معشر القراء أمام قصة ذا اسقاطات على قضايا شتى- منها الديني والأخلاقي والإنساني والسياسي ...
كما نجد الكاتب يستخدم الرمز ليؤاذر الإسقاط مما يجعلهما يسبحان في فلك واحد
فقد استخدم مثلاً مفردة ( مبكرين )عندما دعا محسن أقاربه وأصحابه وحثهم على الاستيقاظ مبكراً والذهاب قبل الموعد ليحضروا مناقشة الدكتوراه ومن هنا بدأ التلاعب بالفكرة فالذهاب مبكراً له اكثر من دلالة ويتيح الوقت الكافي لذهاب أكبر عدد من المدعوين ويزيد تأكيد محسن لهم على الذهاب
وتعد مفردة (مبكرين) الظرفية المكانية المستقبلية معنا...
هي أولى اسقاطات أ/ احمد حافظ القصصية في هذا العمل والتي توحي دلالياً بان هناك شيء جلل سيحدث في التبكير
والدلالة الثانية أو القضية الثانية التي اعتصر الكاتب دلالتها ليخرجها في أقل عدد من السطور لتزداد القصة تكثيفاً كلما اقتربت من الذروة في جملة (غير نظيفة)
وهذا التكثيف جعل الفكرة تحمل اكثر من تأويل
فالراوي العليم وَصف المشهد في عُجالة دون أن نشعر بتوقف الزمن فلو توقف الزمن هبط العمل فنياً وتاه المتلقي ذهنياً...
وذلك لأن تقانة الوصف أو مرحلة السكون تتوقف فيها الأحداث لإلتقاط الأنفاس؛ سواء كانت انفاس الكاتب او المتلقي وكذلك تفيد العمل في كسر حدة الصوت ... وبالتالي يتوقف الزمن وهذا يتعارض مع شروط القص الذي يتطلب تسريع الزمن وهنا أجاد حافظ الوصف السريع الذى يتماشى مع تنامى الحدث دون أن يشعرنا بتوقف الزمن أو سير الحدث..
( عند وصولهم وجدوا القاعة التي سيتم المناقشة فيها غير نظيفة) هنا تحدث الصدمة ونصل إلى الذروة أو مرحلة التأزم ...
فما الحل؟
الحل جعل الأحداث تاخذ منحنى الهبوط بعد أن وجدوا بديلاً للقاعة والذي قد يكون كان موجوداً بالفعل ومعد له على أن تسير الأحداث هكذا (قد يكون كل هذا مخطط له مسبقاً)
وهذا قد يكون سوء مني أقصده
فالكاتب هنا مزج الرمز بالإسقاط
فقد أسقط في قصته على قضايا متنوعة ومهمة ومسكوت عنها كما ذكرنا... ومنها قضايا الرشوة والتزوير والشهادات التي تُمنح حتى لمن لا يستحق
وتظل الفكرة مفتوحة وتاويلاتها تصل أحياناً لدرجة المفارقة والاختلاف وهذا محك العمل الناجح!
ولو فكرنا خارج الصندوق قد يكون الطالب قد حصل على الدكتوراة بدون مناقشة بالأساس
بل كل القصة تميل إلى الإسقاط فالمناقشة ذاتها قد تحمل إسقاطا على أنظمة وسياسات دولية ...
زين المعبدي
تعليقات
إرسال تعليق