قالوا عني:
باردة.
قاسية.
مغرورة لا تنكسر.
قالوا:
"الرجال لا يُعجبهم النساء أمثالها. تلك التي تُغلِق الأبواب في وجوههم كأنها لا ترى فيهم سوى خطر."
لكن لم يسأل أحد:
لماذا أصبحتُ هكذا؟
كان اسمه عمّي. باللقب.
لكنّه لم يكن عائلتي.
كنت في الرابعة عشرة،
أنزل درج البيت بخفّة مراهقة تكتشف الحياة.
ضحك لي، وطلب مساعدتي في حمل صندوق.
ابتسمت له لأننا تربّينا أن نبتسم للكبار.
دخلت،
أغلِق الباب خلفي.
ثم لم يكن بعدها ضوء، ولا أمان.
لم أصرخ.
جسدي كان ثقيلًا. كأنني قطعة أثاث.
روحي كانت تخرج منّي دون دم.
حين انتهى، قال بهدوء:
"لو أخبرتِ أحدًا، لن يُصدّقكِ أحد."
فصدقته.
لم يكن التهديد ما أخافني،
بل الحقيقة فيه.
من سيُصدّق فتاة في الرابعة عشرة؟
من سيُصدّق أنّ الرجل الذي يُقبّل رأس أبي كل يوم…
هو نفسه الذي مزّق طفولتي؟
بعد الحادث.
لم أعد أتحمّل لمسة يد.
ولا نظرة عين.
ولا صوت خطوات خلفي.
كأنني أمشي وكلّ شيء يُعيدني إلى تلك اللحظة.
في المدرسة، أصبحت صامتة.
وفي المرآة، أصبحت أكره كل ما يُشبه الأنوثة في وجهي.
قصصتُ شعري حتى أبدو كالصبيان،
أغلقت صدري بالأزرار حتى لا يراه أحد.
أصبحتُ أختبئ في الكتب،
وفي النوم الطويل،
وفي تجنّب الناس.
حين كبرت،
لم أُحبّ أحدًا.
لا لأن قلبي ميت،
بل لأنني كلما اقترب رجل…
عاد بي الزمن إلى ذلك الصندوق المغلق،
إلى الباب الذي أُغلِق ورائي… دون إنذار.
تقدّم لي شابٌ ذات يوم.
جميل، مؤدّب، حنون.
رفضته.
قالوا:
"مجنونة!"
قالوا:
"معقّدة!"
قالوا:
"لا أحد يُرضيها."
لا أحد سألني:
هل أنتِ بخير؟
لا أحد سألني:
هل لمسكِ أحد دون إذنكِ ذات يوم؟
لم أخبر أحدًا.
حتى اليوم.
ولم أبكِ إلا بعد سنوات،
حين فتحتُ صندوقًا قديماً في خزانتي،
ووجدتُ دميتي القديمة،
بشَعرها المبعثر،
وعينٍ واحدة فقط.
بكيت.
لأنني كنت تلك الدمية.
كل من قابلني قال عنّي:
"جميلة، لكنها لا تُحب."
"ذكيّة، لكنها لا تُحس."
"أنثى، لكن بلا أنوثة."
وأنا كنت أقول لنفسي كل ليلة:
"أنا أحب. كن بحذر.
أنا أحسّ. لكن من خلف الزجاج.
أنا أنثى. لكنني أرتدي الدرع لا الفستان."
قالوا:
"تكره الرجال."
لا.
أنا فقط. أخافهم.
لأن واحدًا منهم، ذات يوم،
دخل دون إذن،
وترك الباب مفتوحًا للعتمة.
أنا لست معقّدة.
أنا فقط.
نجوت.
نجوتُ وحدي،
ومنعت نفسي من السقوط،
وبنيتُ من كل ندبةٍ جدارًا.
نجوتُ، ولا أطلب التصفيق.
فقط، اتركوني أمشي دون أن تشرحوا وجهي للناس.
وجهي لا يحتاج تفسيرًا.
هو فقط لا ينسى.
لستُ قاسية.
لكنني كنت الدمية التي انكسرت في الخفاء…
ثم قامت،
خاطت فمها،
ولبست ابتسامتها،
وقالت للعالم:
"لن ألمس أحدًا. حتى يلمسني بشرف."
تعليقات
إرسال تعليق