الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر
من اللحظة الأولى يلي طلع فيها صوت حسام حبيب بـ"سيبتك"، ما كان عم يغني أغنية، كان عم يفتح جرح نازف، ويقلب صفحة من كتاب ناس كتار مرقوا بعلاقات مأذية وموجعة ومليانة لوم وظلم، ومع كل كلمة قالها، وكل نغمة همس فيها، حسينا إنو الأغنية مش بس رسالة شخصية، بل صارت حالة إنسانية مشتركة، وبهالنسخة الجديدة من "سيبتك" يلي أعاد طرحها بتوزيع مختلف وجريء ومتطوّر، قدر يحط الجمهور مرة تانية بحالة وجدانية عميقة جدًا، وقدر يخلي كل يلي سمعها يرجع يعيش المشهد من أولو، ولكن هالمرة بنبض موسيقي مختلف، فيه عمق أوضح، وانكسار أنقى، وتفاصيل موسيقية بتضرب على وتر القلب، ومن اللحظة الأولى لإصدار النسخة الجديدة، الجمهور ما اكتفى بس بالإعجاب، بل عبّر بعنفوان عن حبّه للأغنية، وبلّش التفاعل يظهر بتعليقات طويلة مليانة مشاعر، وبمشاركات على السوشيال ميديا تحمل جُمل من الأغنية وكأنها صارت مرآة لقصص شخصية، ومشاهدات تعدّت التوقعات بسرعة قياسية، وأعاد حسام بذلك تأكيد حضوره الفني الصلب، وأثبت إنو لما الإحساس صادق، اللحن بيعيش، والكلمة بتنغرز بالقلب، والنغمة بتصير وجع مشترك بين الفنان والجمهور
"سيبتك"... وجع بصوت حسام حبيب، وإحساس ناطق بإسم كل قلب انكسر وما عاد عرف يحب من جديد
بصوتو يلي ما بيغنّي بل بينزف، وبنبرته يلي ما بتلامس بس الأذن بل بتوخز القلب، رجع حسام حبيب، النجم يلي كل مرة بيغيب، بيرجع أقوى، وكل مرة بيسكت، بيرجع بصوت فيه رجّة مش عاديّة، رجع ليقول "أنا بعدني هون، وبعدني بغنّي... بس بطريقتي، وبإحساسي، وبجرحي"، ومع أغنيته الجديدة "سيبتك"، واللي فيها مزج غريب بين الهدوء والانفجار، وبين الخيبة والكرامة، وبين الغصة والصدمة، بيحكي حسام بصوته عن علاقة ما كانت متكافئة، عن طرف حب بصدق وبعُمق، وطرف تاني خان الأحلام، وسكّر الأبواب، وقلب الصورة، وفلّ، مشي، وترك، ومش بس هيك، حمّل الحبيب يلي ضل، كل اللوم، وكل الوجع، وكل الخطيئة، و"سيبتك" بهيدا السياق مش أغنية حب، هي اعتراف إنو في حب بيوجع، وفي حنية بتكسر، وفي وعد بيتحوّل لطعنة، وفي حضن بيصير خنجر، وفي كلام بيتحوّل لسكاكين بتقطع الذكرى، والذكرى يلي كانت بتضحّك، صارت بتبكي، وبهالعمل، حسام ما قدّم أغنية ليسترجع مركزه بالساحة، بل قدّم صوت ناس كتار فقدوا الثقة، فقدوا حالن، فقدوا الحكي، ولقوا حالن عم يبكوا بين السطور.
"سيبتك" من الداخل: كلمات بتنزف بصوت، ونغمة بتصرخ من وجع الحنين
بإبداع شعري رهيب من أدهم معتز، وبنغمة عميقة من تامر علي، وتوزيع حساس من أحمد وجيه، طلعت الأغنية كأنها رسالة بخط الإيد، رسالة طويلة انكتبت بالدموع، واتقرّت بالقهر، وغنّاها حسام من مكان ما فينا نوصل له إلا إذا مرقنا من نفس الألم، ومن نفس الباب المسكّر، ومن نفس الخذلان، وهاك المقطع الأول بيقول:
"سيبتك تقول عليا حاجات ماكنتش فيا، سيبتك تجيب اللوم عليا، وفضلت برضو شاريك، ضيعت فيا روحي معاك، ليه زادت جروحي، ده أنا كنت ليك، أنا كان طموحي، إزاي في يوم أرضيك"
هالكلمات مش جمل موزونة بس، هيدي صرخة حدا حب وما نحب، دافع وما اتفهم، ضلّ وما نُحفظ، قدم حلمه كهدية واتكسر فيها، ضاع بين إذا كان غلطان أو مغدور، وكان بعدو مصدّق إنو يمكن يتفهم، يمكن يتقدر، بس يلي قبالو ما شاف غير فرصة للهروب من المراية، وكأنو كل الوقت كان عم يجهّز حالو ليكبّ الذنب عالمحب، ويبرّر الرحيل بالجملة، وهون الوجع ما بيكون من الفراق، بل من الظلم، من تشويه الصورة، من انكسار الكرامة، من تحميلك أنت ذنب النهاية.
وبيكمل حسام:
"من حبي فيك أذتني، وجعتني بيك لقيتني، عايش حكاية غيرتني، والفضل يرجع ليك"
هالبيت، وحده، كفيل يكون مرآة لآلاف القصص، لأنه في حب بيعلّم، بس في حب بيدمّر، في حدا بيدخل حياتك مش ليدفيك، بل ليخليك تشكّ بحالك، بحقيقتك، بذكرياتك، في حدا بيجي يوعدك يكون ساندك، وبس توقع، هو بيكون أول واحد يسحب إيده، وفي ناس كتير بيلاقوا حالن بهالنوع من العلاقات، بس ما بيعرفوا يعبروا، وحسام هون، عبّر عنن، نيابة عنن، بحنجرتو يلي صار فيا اختناق، وبأداءه يلي ما كان عم يغني فيه بس، بل كان عم يكتب سطور الألم بلحن عم يرقص على حدود الحنين والقهر.
كيف نتعامل مع الجرح يلي حكى عنه حسام؟ كيف نوقف على إجرينا من بعد الطعنة؟
أول خطوة إنك ما تبرّر له يلي خذلك، ما تحاول تفهم ليه تركك بهالطريقة، لأنو الفهم مش دايمًا شفاء، أحيانًا الفهم بيزيدك وجع، لأنو الحقيقة مرّة، وكتير مرات بتكتشف إنو ما في تفسير عميق، بل في ناس اختارت تمشي، اختارت ترتاح من مسؤولية حبك، من عمق إحساسك، من عيونك يلي كانت بتطالبن بحنية، وهني مش قادرين يعطوك إياها، وتاني خطوة، إنك تحط حد لجلد الذات، لأنو لما تكون عطيت، وحبّيت، وحملت، وسامحت، وانكسرت... هيدا دليل إنك إنسان كبير، مش غبي، ومش ساذج، وثالث خطوة، إنك توقف تنطر يرجع، لأنو الرجعة ما بتنفع، لما الكسر بيصير عميق، والكلام بيتحوّل لطعن، والعين يلي كانت بتحلف بالحب، تصير تشوفك عبء، رابع خطوة، حط خط بين الوجع والكرامة، ما تسمح للوجع يكسرك، خليه يربّيك، يعلّمك، ينضّجك، خامس خطوة، بلّش ترمّم حالك بحالك، بلا استعجال، بلا علاقات جديدة فاضية، بل بأمان داخلي، بلقاء مع الذات، بالرجوع لإلك، لأحلامك، لصوتك، لضحكتك يلي نسيتها، وسادس خطوة، إحكي، عبّر، غني، اكتب، ارسم، إرقص، إبكي، بس ما تكبت، لأنو الوجع المكبوت بيتحوّل لحائط بينك وبين المستقبل، ولما بتتفجّر، بتصير أخطر من يلي كسر قلبك.
"سيبتك"... بداية ألبوم ما بيشبه شي، مشروع غنائي ناضج، وعودة محسوبة لرجل بيغني بضميره
الأغنية هيدي ما كانت طلقة واحدة، بل أول رصاصة من مدفع فني كبير جاي اسمو ألبوم حسام حبيب الجديد، يلي رح ينزل على جزأين، وكل جزء فيه خمس أغانٍ مختارة، متقنة، متنوّعة، فيها شغل كبير، وكتابة حقيقية، وصوت موسيقي جديد من التعاونات مع تامر علي، أدهم معتز، نابلسي، إبراهيم شتا، أحمد يوسف، وأمين نبيل، والألبوم مش بس مشروع عودة، هو إعلان إنو حسام حبيب خلص من كل المراحل السابقة، ورجع أنضج، أقوى، أصدق، وأقسى على الكلمة، وعلى الإحساس، وعلى اللحن، رجع من الباب الواسع، ومعه رسالة فنية واضحة إنو الزمن بيتغيّر، بس الإحساس الحقيقي بيبقى، والصدق لو غاب، بيرجع أقوى من قبل، ولما بيرجع، بيقلب كل شي.
خاتمة: صوت حسام حبيب بـ"سيبتك" مش مجرد غناء... هو جرح نطق، وهو صمت انفجر، وهو وجع لاقى اسمه
ما فيك تسمع "سيبتك" وتكمل يومك كأنو شي ما صار، الأغنية بتلزمك توقف، تفكّر، ترجع تراجع، وتسال حالك: "أنا ليه سمحت لحدا يضيعني؟"، و"شو بقى مني بعد ما صدّقت ونسيت حالي؟"، و"أنا بعدني أنا؟"، وبهاللحظة، بتفهم إنو الفن مش بس صوت، بل مرآة، و"سيبتك" كانت المراية يلي خلت ناس كتار يلاقوا حالن، يبكوا، يفيقوا، ويمكن لأول مرة... يختاروا نفسن، ويحبّوا حالن، ويعرفوا إنو بعد الجرح، في حياة، وبعد الألم، في موسيقى... والموسيقى يلي بتوجّع، هي يلي بتداوي.
تعليقات
إرسال تعليق