القائمة الرئيسية

الصفحات

في جنازتي... سيعتذرون

لا بأس.
لم أعد في حاجة إلى مَن يُصدّقني،
ولا إلى يدٍ تُربّت على كتفي، أو عينٍ تلمح براءتي.

أنا الآن في مكانٍ لا تطاله الألسنة،
ولا تُرمى فيه النساء بالخيانة قبل أن يُسمع منهنّ حرف.

رحلتُ.
لكنني لم أترك خلفي ابتسامةً في وجه أحد.
رحلتُ بصمتي.
كما عشتُ به.

قالوا عني: خائنة.
امرأة خانت زوجها.
امرأة كانت تسير في الليل،
تُخفي وجهها،
وتخفي شيئًا لا يُغتفر.

ولم يسأل أحد:
لماذا كنت أعود متأخرة؟
لماذا كنت أُكثر من النظر إلى السماء، كمن يستمد منها صبرًا؟
ولماذا كنت أنام كل ليلة وقلبي يشتعل دعاءً؟

زوجي.
لم يكن يضربني،
لكن صمته كان يصفعني كل يوم.
لم يكن يسألني: "كيف حالكِ؟"
بل كان يراقبني كأنني متّهمة.

وفي ليلةٍ باردة،
عاد مبكرًا دون موعد.
كنت على هاتفي، أراسل أختي لأخبرها أن دواء أمي قد نفد.
لكنّه لم يسأل.
اكتفى بجملة واحدة:

"أنتِ لستِ نظيفة."

لم أبكِ.
كان قلبي قد تعلّم كيف يحبس دمعه لئلّا يُستخدم ضدّه.
وفي اليوم التالي، خرجتُ.
خرجتُ لأُحضر لأمي جرعتها الأخيرة من الحياة.
لكنهم قالوا:
"رأيناها تتسلل في الليل."
"لا دخان بلا نار."
"تخون زوجها وتخدعنا بوجهٍ هادئ."

لم أُدافع عن نفسي.
فكرتُ: إن كان الذي عاشرني في البيت لم يعرفني،
فما حاجتي إلى تبرير ذاتي للغرباء؟

حتى صديقتي الأقرب،
من كنت أستمع لوجعها،
قالت:
"خُذلنا بكِ."

وتلك الليلة.
وضعتُ رأسي على الوسادة، وسألت الله:
"هل يرون؟ هل تعلم أنني لستُ ما يقولون؟"
ثم نمت.
وغفوتُ.
وغِبت.

رحلتُ بمرضٍ خفيف،
لكنه وجد فيَّ جسدًا منهكًا بلا أحد.
رحلتُ لأنني تعبتُ من كوني موضع شبهة فقط لأني امرأة لا تُبرر نفسها.

وفي يوم جنازتي.
أرادوا تنظيف اسمي بعدما لوّثوه.
اكتشفوا الرسائل.
الهاتف.
تقارير أمي الطبية التي كنت أُخفيها كي لا أُقلق زوجي.
وورقة بخط يدها المرتجف، تركتها لي تحت الوسادة:

"ابنتي… كانت تسرق الوقت من عمرها لتمنحني أيامًا إضافية."

عندها فقط.
بكى زوجي.
وبكت صديقتي.
وخُفضت رؤوسٌ كثيرة كانت مرتفعة عليّ اتهامًا.

لكنني لم أكن هناك لأسمع اعتذارًا،
ولا لأتلقّى باقة وردٍ متأخرة.

في حياتي.
لم يُنصت أحدٌ لي.
وفي مماتي أصغوا متأخرين.
لكنني، للأسف،
كنتُ قد غادرت.

الكاتب  إدريس أبورزق

تعليقات