بقلم: أحمد الشبيتى
في زمنٍ بات الهاتف المحمول جزءًا من حياتنا اليومية، لم نعد نملك هواتفنا، بل أصبحت هي التي تملكنا وتسيرنا كما تشاء. إنها أكبر قضية تهدد الأجيال الحالية والقادمة، ليس فقط على مستوى الفرد، بل على مستوى الأسرة والمجتمع والدولة، دينًا وأخلاقًا وثقافةً وسياسةً واقتصادًا.
إن التكنولوجيا الحديثة، وعلى رأسها الهاتف المحمول، كانت هديةً للبشرية في ظاهرها، لكنها تحوّلت إلى قنبلة موقوتة في بيوتنا. ما نراه من تفكك أسري، وانتحار، وسوء أدب، وانهيار في القيم، هو في جوهره نتيجة مباشرة لهذه الوسائل الرقمية التي فتحت الأبواب على مصراعيها لعالم بلا ضوابط، وبلا رقابة.
اليوم، تبدأ المأساة منذ لحظة الميلاد، حين يُعطى الطفل الهاتف لإسكاته. ومع الأيام، يصبح الهاتف صديق الطفل، ومرشده، ومصدر معرفته – أو بالأحرى: مصدر جهله وتيهه وضياعه! كيف نُلام على تشتت أبنائنا في المدارس ونحن بأنفسنا من ألقيناهم في مستنقع الشاشات، لا يعرفون للتركيز معنى، ولا للتفاعل البشري وجودًا؟
البيت المصري أصبح مسرحًا للانعزال؛ زوج مع هاتفه، وزوجة مع هاتفها، وأبناء كلٌّ في عالمه، والغدر والخيانة لم تعد أخبارًا نادرة بل مآسي يومية. أصبح الليل وقتًا للسهر والتصفح والمحادثات الغامضة، والمواقع المشبوهة، والعلاقات المريضة، فلا ندري مع من يتحدث أبناؤنا؟ ولا ماذا يشاهدون؟ ولا ماذا يغرس في عقولهم من سموم!
لقد تفشت الخيانات الزوجية من خلال هذه الأجهزة، وضعفت روابط الرحمة والمودة، وانقلبت البيوت إلى جدران صامتة وأجساد مُنهكة وعقول ضائعة. كيف تنجح أسرة إذا كان كل فرد فيها يعيش في غرفةٍ رقمية منعزلة؟
أما المدارس فتعاني الأمرّين: معلمٌ يشرح لعقول شاردة، وطلابٌ لا يقدرون على التركيز، وأهالٍ يشتكون دون أن يراجعوا أنفسهم بأنهم هم من سلّموا أبناءهم لأجهزة لا ترحم، ولسوشيال ميديا لا تعترف بفضيلة ولا خلق ولا دين.
يا سادة، نحن في حرب حقيقية على عقول أولادنا، حرب لا يُسمع فيها دوي الرصاص، ولكن يسقط فيها أبناؤنا ضحايا كل يوم. انتحارات! إدمان! علاقات فاسدة! وعنف! والمجتمع يتآكل ببطء ونحن صامتون.
لابد من وقفة جادة.. عاجلة.. حاسمة:
لا بد أن نبدأ بأنفسنا أولًا، فنقلل من استخدام هواتفنا أمام أطفالنا.
لا بد أن نُعيد بناء ثقافة الأسرة، وأن نفتح الحوار في البيت لا في الدردشات.
لا بد من قوانين صارمة تحمي الأطفال والمراهقين من المحتوى السام.
لا بد من مراقبة تربوية ذكية، لا قمع ولا حرمان، بل توجيه وتدرج.
هذه ليست مجرد رفاهية، بل قضية أمن قومي، لأن المجتمعات تُهدم من داخلها حين تفقد أبناءها، وتُضرب في عمقها حين تنهار الأسرة، وتتآكل الدولة حين تغيب التربية والدين والوعي.
فلنُعلنها صرخة مدوية في كل بيت:
كفانا صمتًا.. كفانا تضييعًا لأغلى ما نملك: أولادنا.
تعليقات
إرسال تعليق