من مطبخ الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر
افتح كتابك السري، جهّز أدواتك، نظّف طاولتك من المبالغة والتصنّع، لأن هذه المرة لن نعدّ طبقًا للعرض، بل سنعدّ شخصية فنية لها نكهة خالدة. نكهة لا تُقلّد، ولا تتكرّر، ولا تحتاج إلى بهارات مصطنعة لتبهرك. نكهة تُشبه إيوان… ذاك الفنان الذي اختار أن يكون "سهلاً ممتنعًا"، بسيطًا في حضوره، صعبًا في غيابه، رشيقًا في صوته، عميقًا في خفّته.
هيا بنا إلى الوصفة.
المكوّن الأول: مشمش ناضج من التوازن
إيوان لم يكن يومًا نجمًا طاغيًا… بل كان نجمًا "موزونًا". مشمشه ليس أخضر ولا زائد الحلاوة. هو ناضج، مُعتدل، يُشبه شخصية لا تفرض نفسها لكنها لا تُنسى. في زمن الأصوات الصاخبة، جاء إيوان بمذاق صادق ومتوازن، فيه من الرجولة بقدر ما فيه من الرقة، ومن النكهة اللبنانية بقدر ما فيه من الرشاقة العالمية. فالتوازن في الفن هو أن تُغني بشغف، دون أن تتحوّل إلى صرخة. وأن تحزن بإحساس، دون أن تغرق في دموع لا تجف. وإيوان… أتقن هذه المعادلة.
المكوّن الثاني: قطعتا أناناس من الانفتاح الحضاري
إيوان هو ابن بيروت، لكن صوته لا يعرف الجغرافيا. لو سمعته دون أن ترى صورته، ستشعر بأن هناك شيئًا "متوسطيًا" في حضوره، شيئًا يُشبه رائحة المرافئ، وموسيقى الشوارع القديمة. لذا، نضيف إلى وصفتنا أناناسًا، رمز الانفتاح والذوق غير النمطي. فنان لا يحب أن يُحاصر في لهجة واحدة، ولا في طبقة صوت واحدة، ولا حتى في نوع غنائي واحد. إنّه يشبه الأناناس: ناعم من الخارج، ومليء بالمفاجآت من الداخل.
المكوّن الثالث: قطرة زيت زيتون من الأصالة الشرقية
على الرغم من انفتاحه، لم يتخلّ إيوان يومًا عن الزيت اللبناني، عن العطر الشرقي في تفاصيله، عن تلك اللمسة الدافئة التي تميّز الفن الحقيقي. صوته حين يدخل في جملة موسيقية، يترك أثرًا يُشبه رائحة الزعتر على الأصابع بعد الفطور. حضور شرقي عميق، دون أن يكون شعبويًا. هو يعرف من أين أتى، ويعرف إلى أين يتجه، ولهذا نضع في وصفتنا "قطرة زيت زيتون" تُشبه الجذور، وتُغني عن أي بهار إضافي.
المكوّن الرابع: لوح شوكولا داكن من الإغراء الذكي
الجاذبية عند إيوان ليست جاذبية مباشرة. هو لا يفرض وسامته، ولا يستعرض صوته، ولا يضخّم حضوره. لكنك تشعر دائمًا أنك مأخوذ إليه. هذه الجاذبية نُشبهها بـ"شوكولا داكنة": فيها نكهة قوية، لكن بلا مبالغة، وفيها حلاوة… مغطاة بأناقة مرّة. هو ليس ذلك النجم الذي يُدهشك بلحظة، بل الذي يُدمنك بهدوء. لذلك، إن أردت أن تُشبهه، تذكّر دائمًا أن الإغراء الحقيقي لا يصرخ… بل يُهمس.
المكوّن الخامس: رشة نعناع من الانتعاش العفوي
إيوان لا يُحب التكلّف، ولا يتورّط في ادعاء العمق. هو يُشبه نفسه. يضحك ببساطة، ويغنّي بخفة، ويتصرّف كما لو أنّ الحياة ما زالت ممكنة، رغم كل شيء. لهذا نضيف إلى وصفتنا "رشة نعناع"، ترمز إلى تلك الحيوية التي لا تحتاج إلى ضوء لتلمع. الانتعاش عنده ليس استعراضًا، بل نابع من قلب صادق، وعين ترى الجمال حتى في اللحظات العابرة. وفي زمن الوجوه المجمّدة، يقدّم إيوان طاقة إنسانية طازجة.
المكوّن السادس: حفنة قمح من الصبر
النجاح لم يكن وليد لحظة، ولا ضربة حظ. إيوان شقّ طريقه بصبر يشبه موسم القمح، حبة بعد حبة، حفنة بعد حفنة، حتى صار اسمه متماسكًا، متينًا، بلا فضائح، بلا جراح مفتوحة، بلا تصنّع أو استعجال. الصبر الفني عنده هو صبر الأرض… يزرع بصمت، ويحصد بمحبة. لذلك، حين نُحضّر وصفة إيوان، لا بد من إضافة حفنة قمح… لأن المجد الذي لا تُغذّيه الأرض، يُطيّره أول ريح.
المكوّن السابع: قطعة بطيخ من الطرافة المحبّبة
إيوان يضحك، ولا يضحكك فقط. فيه خفّة دم لبنانية أصيلة، ليست نكتة مُعلّبة، بل ردّ فعل حيّ، وتعليق ذكيّ. حضوره يشبه قطعة بطيخ مثلجة في يوم صيفي: مبهجة، صادقة، لا تُقاوم. وهذا البُعد الإنساني هو ما يجعل فنه محبوبًا، لا محترمًا فقط. لأنه حين يغني، لا يطلب تصفيقًا، بل مشاركة… وحين يضحك، لا يسخر، بل يفتح نوافذ القلب.
المكوّن الثامن: وردة جوري من الأناقة الرقيقة
أناقته ليست طاغية، ولا جامدة. بل مرهفة، ومتناغمة مع إحساسه. هو لا يستعرض ملابسه، بل يلبس كي يكمّل صوته. لا يبالغ في مظهره، بل يوازن بين ما يُقال وما يُرى. الأناقة عنده "لغة جسد"، و"خيال صوتي"، ولهذا نضع في وصفتنا وردة جوري. رقيقة، لكن لا تُنسى. أنثوية في الشكل، رجولية في الرسالة. وتلك هي أناقة إيوان: وردة حمراء في حقل من ضجيج.
المكوّن التاسع: عود قرفة من الهدوء الداخلي
وسط الضجيج، حافظ إيوان على اتّزانه. لم يدخل في صراعات، لم يركض خلف ترندات، لم يتورّط في خناقات لفظية. كان دائمًا كمن يشرب قهوته ببطء، يراقب العالم يركض… ويبتسم. لذلك نضيف إلى وصفته عود قرفة، رمزًا للهدوء الذي يدفئك من الداخل، دون أن يفرض نفسه. لأن الفنان الحقيقي لا يُشعل الحرب… بل يُطفئ القلق.
المكوّن العاشر: نقطة عسل من الوفاء للجمهور
رغم مرور السنوات، بقي إيوان وفيًّا لجمهوره. لا يطلّ إلا حين يكون لديه ما يُقدّم، ولا يغيب إلا حين يكون الصمت أجمل. لم يستغلّ لحظة ضعف، ولم يركب موجة، بل احترم من أحبوه، ومن كبروا معه، ومن وجدوا في صوته نافذة للحياة. لذلك نضع "نقطة عسل" في وصفتنا… لأنها تُذكّرنا أن الفن ليس مجرّد صوت، بل عهد بين قلبين.
خطوات التحضير والتقديم – كيف تصوغ نفسك بنكهة إيوان؟
الخطوة الأولى: صفِّ قلبك قبل أن تُطلّ بصوتك
إيوان لم يُطلّ على الناس يومًا وهو مشوَّش داخليًا. صوته كان دائمًا نقيًا، كأنه قادم من مرآة ماء صافٍ. لذلك، أول خطوة في تقديم نفسك للعالم هي أن تُنقّي دواخلك. لا شهرة تُبنى على عقدة، ولا أغنية تنجح من قلب مكسور لا يزال ينزف. تخلَّ عن المقارنات، وابدأ من حيث تُحب، لا من حيث "يُراد لك". اجعل بدايتك صادقة… لأنّ الكذب لا يُغنّى.
الخطوة الثانية: اخفض الحرارة… النجاح لا يُطهى بسرعة
الفرق بين نجم يحترق سريعًا، وآخر يُشعّ طويلًا، هو "درجة النار". إيوان عرف منذ بداياته أن السر ليس في الوصول السريع، بل في النضج الهادئ. لذلك، لا تتسرّع في الظهور، ولا تطلب الأضواء قبل أن تنضج أدواتك. دع نكهتك تتخمّر، ودع صوتك يتشرّب التجربة، ودع حضورك يُطبخ على نار هادئة. الفن لا يحبّ العجلة… ولا يحترم من يستعجل التقدير.
الخطوة الثالثة: امزج مشاعرك بيدك… لا تتركها للمحرّكات الآلية
إيوان لا يغني كما يُغنّى الآخرون، بل كما يشعر هو. لا توجد آلية، ولا وصفة جاهزة، ولا روبوت خلف الشاشة. كل إحساس يخرج منه مدروس بعفوية. أنت أيضًا، حين تصوغ حضورك، امزج مكوّناتك بنفسك. لا تستعن بنماذج جاهزة، ولا بنصوص مكتوبة سلفًا. كن أنت الشيف… وكن أنت اللوحة.
الخطوة الرابعة: انتظر لحظة التقديم كما ينتظر الشاعر قافية صادقة
ليس كل وقت مناسب للظهور. إيوان يُتقن توقيت المفاجأة، يعرف متى يغيب ليُشتاق، ومتى يعود ليُدهش. لا تهدر حضورك بكثرة الظهور. اعرف قيمة الغياب، واعرف متى تُقدِّم طبقك للناس. انتظر اللحظة التي تُشبهك، والتي تكون فيها أنت في أقصى درجات جاهزيتك. التوقيت… هو نصف النكهة.
الخطوة الخامسة: زيّن الطبق بروحك… لا بزينة الآخرين
الجمهور لا ينسى الصوت، لكنّه يقع في حبّ الروح. وإيوان لم يُقدّم نفسه يومًا على شكل صورة نمطية. كل إطلالة له، كل فيديو كليب، كل ظهور إعلامي… فيه "روحه". لا تزيّن نفسك بما لا يشبهك. لا تُحاول أن تتقمّص "ما يُطلب" إن لم يكن جزءًا منك. التزيين الحقيقي… أن تضع قطعة من قلبك على وجه الطبق.
الخطوة السادسة: قدّم نفسك لمن يعرف أن يتذوّق الفن، لا من يبحث عن السكر فقط
إيوان لم يختر الطريق السهل، ولا جمهور التصفيق السريع. هو قدّم صوته للحياة، لمن يعرفون أن الإصغاء فنّ، وأن الإحساس ليس سلعة. وأنت أيضًا، لا تطلب الكثرة… بل الجودة. لا تُقدِّم فنّك لمن يستهلك، بل لمن يحتفل. ابحث عن العيون التي تفهم، لا الآذان التي تُصفّق فقط. حين تختار جمهورك… يصير جمهورك هو من يختارك.
اللمسة الأخيرة – كيف تجعل اسمك توقيعًا شخصيًا مثل إيوان؟
هنا، في المرحلة الأخيرة من التحضير، نضع "رشة الهوية"، و"نقطة التميّز"، و"بصمة التفرّد". فكما في كل مطبخ راقٍ، لا يُقدَّم الطبق دون لمسة الطاهي، فإنّ في الفن لا تكتمل الصورة دون توقيعك الخاص.
أولاً: اجعل صوتك مرآة لروحك… لا لبراعة تقنيّة فقط
إيوان ليس مطرب "تقنيات"، بل مطرب إحساس. كل نغمة عنده تُعبّر عن حالة نفسية، وكل جملة موسيقية تتلوّن بحالة مزاجه. إن أردت أن تكون مثله، فاجعل صوتك امتدادًا لروحك، لا لبراعة استعراضية. الجمهور يُحبّ من يُشبهه… لا من يتفوّق عليه بصراخ.
ثانيًا: لا تخَف من أن تكون بسيطًا… فالبساطة أصعب أنواع العمق
السطح الملساء أصعب في التكوين من النقوش. والبساطة، حين تكون صادقة، تكون أقرب إلى القلب من أعقد الألحان. إيوان اختار أن يكون واضحًا… وصار نادرًا. لا تخَف من الأغنية السهلة، من الكلمة الصافية، من الإحساس المُباشر. فالبساطة لا تعني التفاهة… بل الذكاء القريب من الناس.
ثالثًا: احمِ هويتك… ولا تفرّط بها مهما تغيّر الزمن
مهما تغيّر شكل الموسيقى، ظلّ إيوان يُحافظ على جوهره. لم يذُب، لم يساوم، لم يُفرّط بصوته. اختار أن يتطوّر، لا أن يتبدّل. لذلك، إذا أردت أن تكون علامة مسجّلة… عليك أولاً أن تحمي "علامتك". هويتك، صوتك، أسلوبك… كلها أصول، لا تُفرّط بها طمعًا في تصفيق عابر.
رابعًا: دع حضورك يُغنّي عنك
إيوان، في كثير من الأحيان، لم يحتج إلى الكلام. حضوره كان كافيًا. صوته قال ما لم تقله التصريحات. عينيه سبقت الحوارات. لذا… درِّب نفسك على الصمت المعبّر، وعلى النظرة التي تُغني عن مقال. فالفن لا يُقاس بما يُقال… بل بما يُشعر.
خامسًا: اجعل غيابك هدية… لا قطيعة
إيوان لم يختفِ، بل غاب كي يعود أجمل. وهذه فَلسفة لا يُتقنها إلا القلائل. لا تكن حاضرًا فقط لتُقالب… بل لتُحفر. اختفِ حين لا يكون لديك جديد، وارجع حين يكون رجوعك "رسالة". الغياب الذكي… هو مجد مُبطّن.
ختامًا… كن نكهة لا تُنسى
في مطبخ الشهرة، هناك من يكونون "مقبلات"، وهناك من يُصبحون الطبق الأساسي. وهناك، في زاوية راقية، صوتٌ اسمه إيوان… لا يُشبِه أحدًا، ولا يُشبهه أحد.
فإذا أردت أن تترك نكهة… كن أنت.
تعليقات
إرسال تعليق