القائمة الرئيسية

الصفحات

حِينَ يَغِيبُ الصَّولجَانُ

الشاعر السوري فؤاد زاديكى

في زمنٍ تموجُ فيه التيجانُ و تخفتُ الأصداءُ خلفَ جدرانِ السّلطانِ، يبقى للإنسانِ ما زرعه في القلوب من ودٍّ و وفاءٍ.
هذه القصيدة ليست رثاءً لزمنٍ فانٍ، بل احتفاءٌ بالجوهرِ الإنسانيّ…
بما يُخَلّدهُ الذِّكرُ الحَسَنُ بعد أُفُولِ الصّولجانِ.

مَنْ سَيُرثِينِي إذا آنَ الأوَانُ ... فَانتهَى أمْرٌ، و غَابَ الصّولجَانُ؟

هَلْ سَتَبْكِي الرّيحُ أطيافَ الأمانِي ... أم يُوَارِينِي المَدَى مِنْها الدُّخَانُ؟

كم سَعَيْتُ المَجدَ, ما أدركتُ يومًا ... أنّني ظِلٌّ... سَيَطوِيهِ الزَّمَانُ

كُلُّ تَاجٍ زَائِلٌ مَهمَا تَسَامَى ... و البَقاءُ الحَقُّ للذِّكرى مُصَانُ

فَافْعَلِ الخَيرَ, الذي يَبقَى طويلًا ... ذَاهِبٌ مَنْ كانَ مَولًى, لا أمَانُ

لم أُرَاعِ النَّاسَ في مَبْغَى ثَنَاءٍ ... بلْ زَرَعتُ الوُدَّ, تَحوِيهِ الجِنَانُ

كم كَفَفْتُ الدّمعَ عن عَيْنَيّ يَتِيمٍ ... و اسْتَقَرَّ الحُبُّ نَبْضًا و الحَنَانُ
يومَ ضَاقتْ بالوَرَى دًربُ الأمانِي ... كُنتُ بِشْرًا, ليسَ يُرْجَىَ الاِمْتنَانُ

ما بَخَلتُ الجُودَ عنْ كفِّي، و ربّي ... عَالِمٌ سِرِّي و مَا أخْفَى البَيَانُ

إنْ دَعَا صَحْبٌ، وَجَدتُ الدَّربَ سَهْلًا ... لا يُبَالَى الشّوكُ، لا يُخْشَى الطِّعَانُ

ذَاكَ طَبْعِي مُنْذُ إقبَالِي وَلِيدًا ... حُبُّ خَلْقِ اللهِ زَادِي و الأمَانُ

مُخلِصٌ وُدًّا وَ لا أرجُو جَزَاءً ... غيرَ ذِكرَى اِعْتِبَارٍ لا يُهَانُ

كلُّ حُبٍّ في ضُلوعِي صَارَ نَهْجًا ... كابتسَامِ الوَردِ و الغُصْنُ اتِّزَانُ

سَقْفُ مَجدِي في عُلُوٍّ بِاتِّضَاعٍ ... كلُّ فَصلٍ مِنْ فُصُولي مُسْتَبَانُ

لم أُباهِ النَّاسَ تِيْهًا أو غُرُورًا ... بلْ كَسَتْنِي هَيْبَةً تِلكَ الحِسَانُ

رَصَّعَتْ تَاجِي خِلَالٌ, ليسَ تَبْلَى ... السّخَاءُ المُصْطَفَى و العُنفُوَانُ

إنْ سألتَ الرّوحَ: "ماذا في حِسَابِي؟" ... قُلتُ: حُبُّ النّاسِ... و الصّدقُ المُبَانُ

ثم أمضِي، سَاكِنًا نَفْسًا و رُوحًا ... رَاضِيًا إنْ جاءَ ذاكَ الامتِحَانُ

تعليقات