بين الصخر ينبت الزهر
تأليف الأستاذة خديجة آلاء شريف
الفصل الخامس:
امتحان القدر
كانت ليلى تسير على درب مليء بالأمل، قلوب الجميع معلّقة بتفوقها المنتظر. استعدت لامتحانات البكالوريا بكل ما أوتيت من عزم، كأن كل صفحة تفتحها تُغني أغنية المستقبل. لكن القدر، بسط يده ليختبر ثباتها؛ قبل الامتحانات بأيام قليلة، اجتاحها مرض قاسٍ أنهك جسدها.
في قاعة الامتحان، كانت ليلى تشعر بثقل غريب يجرها، وكأن العقل قد أصبح أسيرًا بين أضلاع الألم. ورغم محاولتها التصدي لكل ضعف، كانت الكلمات تهرب من بين يديها كما يتلاشى الحلم بين الغيوم. مرّت الأيام حتى جاء يوم النتائج.
جلست في زاوية غرفتها، تنظر من النافذة إلى الرياح التي تضرب زجاجها، وكأنها تعزف نغمة من الترقب الموجع. عندما جاء الخبر: "رسوبك يا ليلى." شعرت وكأنها ابتلعت مرارة أبدية؛ انطفأ بريق الحلم في عينيها، وتلاشت كل ابتسامة كانت تعانق وجهها.
**الفصل السادس: شعلة الأمل**
كانت الصدمة ثقيلة كصخرة تجثم على صدرها، يوم النتائج لم يكن مجرد يومٍ عادي؛ كان لحظة فاصلة بين حلمٍ كانت تسعى إليه وواقعٍ لم يكن كما تمنت. جلست ليلى في زاوية غرفتها، تحتمي بالصمت، وكأنها تحاول الفرار من حقيقة لا تريد مواجهتها.
لم يكن الألم فقط في النتيجة، بل في النظرات التي كانت تراها في أعين الآخرين؛ بعضها حمل شفقة غير مرغوبة، وبعضها الآخر تساؤلًا عن كيف أخفقت الطالبة المتفوقة. في تلك اللحظات، كانت ليلى تشعر أن العالم كله انكمش داخل أروقة هذا الفشل، وكأن الحياة توقفت عند هذه الخيبة.
وفي إحدى الليالي، وبينما كان الجميع نائمًا، سمعت ليلى طرقات خفيفة على باب غرفتها، كان والدها. جلس قربها، حمل كوبًا من الشاي الساخن ووضعه أمامها كأنه يقول لها: "تعالي، لنهدأ قليلًا."
نظر إليها بحنان، ثم قال بصوتٍ مطمئن:
"ليلى، الفشل ليس عدوًا، إنه المعلم الذي يجعلنا أقوى. أنتِ ابنة الصخر، وفي داخلك زهرة لا تذبل."
كانت تلك الكلمات بمثابة يدٍ امتدت نحوها، كأنها نورٌ وسط عتمة الحزن. حاولت ليلى التحدث لكنها لم تجد الكلمات، فاكتفت بأن أراحت رأسها على كتف والدها، وشعرت أن الألم، وإن كان حاضرًا، لن يكون أبديًا.
أما أمها، فلم تتركها لحظة، كانت تمسّد على شعرها وتردد كلماتٍ تحمل دفئًا خاصًا:
"يا ابنتي، كل سقوط هو طريق إلى نهوض أعظم. الأمل لا يموت، لكنه يحتاج إلى من يُعيد إحياءه."
في تلك الليلة، ولأول مرة منذ سقوطها، فكرت ليلى في احتمال جديد، في فرصة أخرى، وكأنها تبدأ في إدراك أن الطريق لم ينتهِ بعد، بل ربما بدأ من جديد.
**الفصل السابع: طريق العودة**
مرّت أيامٌ ثقيلة بعد قرارها النهوض من جديد. كان قلبها يتأرجح بين الأمل والخوف، بين رغبتها في تجاوز الخيبة وخشيتها من السقوط مرة أخرى.
في اليوم الأول من عودتها إلى المدرسة، وقفت أمام الباب للحظات، شعرت أن المكان ذاته لم يتغير، لكن نظرتها له تغيرت بالكامل. لم تعد الطالبة التي تدخل الصف بثقة، بل فتاةٌ تحمل على
كتفيها عبئًا من التساؤلات.
عندما جلست في فصلها، نظرت إلى زملائها الذين
كانوا منهمكين في الدراسة، بينما شعرت أن الجميع يختلس النظر إليها. كانت تتساءل في داخلها: هل يراها الآخرون كالتلميذة التي تعثّرت؟ أم كالشخص الذي يحاول النهوض؟
في تلك اللحظة، سمعت صوت المعلمة وهي تشرح درسًا جديدًا، لكن عقلها كان بعيدًا. أغمضت عينيها للحظة، وأخذت نفسًا عميقًا، وكأنها تريد أن تمحو الشكوك التي تتكالب عليها.
بعد انتهاء الحصة، همّت بالخروج، لكنها توقفت للحظة أمام السبورة، تأملت الكلمات المكتوبة، ثم قالت لنفسها بصوتٍ خافت:
*"إن كنت قد تعثرت مرة، فهذا لا يعني أنني لن أنهض مرتين."
ومن تلك اللحظة، بدأت رحلة العودة بروحٍ جديدة، بروحٍ لم تكن تبحث عن النجاح فقط، بل كانت تبحث عن استعادة نفسها التي كادت تفقدها.
**الفصل الثامن: يوم الحصاد**
كان الصباح هادئًا بشكلٍ غريب، رغم أن قلب ليلى كان يضجّ بالترقب. جلست قرب نافذتها، تراقب ضوء الشمس يتسلل عبر ستائر غرفتها، وكأن الزمن يمر ببطءٍ مقصود ليختبر صبرها.
ذهبت أمها وأختها الصغرى لجلب النتيجة، بينما بقيت ليلى وحدها، بين الدعاء والانتظار. كانت تسمع دقات الساعة وكأنها تتحدى أنفاسها المتوترة، فتغمض عينيها للحظات، تحاول إبعاد وساوس الخوف.
وضعت يديها على ركبتها، ثم همست لنفسها:
"يا رب، اجعل كل جهدٍ بذلته ثمرة فرح، امنحني قوةً تقهر الخيبات."
مرت دقائق بدت وكأنها ساعات، حتى فُتح باب الغرفة بقوة، دخلت أمها بزغرودةٍ عالية، وعيونها تملؤها دموع الفرح. في تلك اللحظة، شعرت ليلى أن الزمن توقف، أن الهواء أصبح أخف، وأنها أخيرًا تحررت من القلق الذي كان يطوّقها.
تقدّمت أمها نحوها، احتضنتها بحرارة وقالت بصوتٍ مرتجف:
"لقد نجحتِ يا ليلى، بامتياز!"
انهارت ليلى بين أحضان والدتها، وشعرت أن روحها تطايرت بين ضوء الأمل الذي أشرق عليها من جديد. لم تكن تلك لحظة نجاح فحسب، بل كانت ولادة جديدة، لحظة انتصار انتظرتها طويلًا، لحظة استعادت فيها نفسها التي كادت تفقدها.
سجدت شاكرةً، وابتسمت لنفسها للمرة الأولى منذ أشهرٍ طويلة، وكأنها كانت تقول للعالم:
"ها أنا هنا، من جديد."
**الفصل التاسع: ميلاد الحلم**
كان اليوم الأول في الجامعة مختلفًا عن كل ما سبق. لم يكن مجرد خطوة جديدة، كان إعلانًا بأنها بدأت مرحلةً أخرى من رحلتها. دخلت بوابة المدرسة العليا للأساتذة، أحلامها تتراقص داخلها، تحملها خطواتها بثقة، وكأنها تعيد بناء ذاتها مع كل خطوة تخطوها.
في القاعة الأولى، جلست تتأمل زملاءها من حولها، لم تكن مجرد طالبة تبحث عن المعرفة، بل كانت تحمل في داخلها وعدًا—أن تصبح يومًا من الأيام جزءًا من حلم أكبر، أن تصنع فارقًا، أن تكون شعلة تُضيء الطريق.
في لحظة تأمل، فتحت دفترها، رسمت زهرة صغيرة على أول صفحة، ثم كتبت بجانبها:
"كما نبت الزهر في الصخر، سينبت طريقي وسط كل تحدٍ."
في نهاية اليوم، وبينما كانت تخرج من القاعة، وقفت عند بوابة الجامعة للحظة، نظرت إلى السماء، ثم ابتسمت وهمست لنفسها:
"هذا هو مكاني، هذه هي بدايتي الجديدة."
**الفصل العاشر: عهد الزهور**
ذات مساء، بينما كانت ليلى تجلس في الحديقة مع والدها، لفت نظرها زهرة نبتت وسط صخرة صغيرة عند طرف السور. أشار إليها والدها، ثم قال بصوتٍ هادئ:
"هل ترين هذه الزهرة؟ لم يكن هناك أي تربة لتساعدها، ومع ذلك نبتت. إنها تشبهك."
نظرت ليلى إلى الزهرة طويلًا، وكأنها ترى انعكاسًا لها في بتلاتها الصغيرة. تذكرت كل لحظات السقوط التي مرت بها، كل التحديات، وكل الأمل الذي صنعته رغم كل شيء.
أمسكت بيد والدها، شعرت بقوتها تمتزج بدفئه، ثم قالت بابتسامةٍ ممتلئة بالامتنان:
"وأعدك يا أبي، أن أزرع قوتي في كل روح تبحث عن نورها."
في تلك اللحظة، أدركت ليلى أن القوة الحقيقية لا تكمن في الانتصار فحسب، بل في قدرتها على أن تكون مصدرًا للأمل لمن حولها، تمامًا كما كانت هذه الزهرة وسط الصخور، تُقاوم، تُزهر، وتُعلن صمودها أمام الحياة.
**الفصل الحادي عشر: عبق البذور المزروعة**
بعد سنواتٍ من النجاح، قررت ليلى العودة إلى قريتها في زيارةٍ خاصة، وكأنها تريد أن تسير في الأماكن التي احتضنت أحلامها الأولى، حيث بدأت رحلتها.
عندما وصلت، تجولت بين الحقول التي لطالما ألهمتها، ثم توقفت أمام الصخرة التي شهدت أول لحظة ضعفٍ لها، لكنها لم تعد كما كانت؛ هذه المرة كانت مُحاطةً بزهورٍ عديدة، وكأنها تنبت احتفالًا بعودتها.
وضعت يدها على الصخرة، وكأنها تلمس الذكريات القديمة، ثم همست لنفسها:
"كما أن الحياة تمنح الزهور وقتًا لتنمو، فإن الأحلام تحتاج إلى الصبر كي تزهر."
في تلك اللحظة، شعرت أن كل خطوةٍ في حياتها لم تكن عبثًا، بل كانت تربةً زرعت فيها إرادتها، لتصبح اليوم امرأةً قويةً تحمل حلمها بكل فخر.
**الفصل الثاني عشر: نبتة الحلم تتفرع**
في أحد الأيام، بينما كانت ليلى جالسة تحت شجرة قديمة في حديقة منزلها، أدركت أن التغيير الذي كانت تبحث عنه لم يكن بحاجة إلى خطة عظيمة أو خطوات مدروسة بدقة، بل كان يبدأ من داخها، من أبسط الأفعال وأصدق المشاعر.
كانت السماء صافية، وشعرت بنسيم خفيف يُداعب وجهها، كأنه يحمل رسائل غير منطوقة. أخذت نفسًا عميقًا وتأملت حياتها، كيف تشكلت أفكارها خلال السنوات الماضية، وكيف كانت تبحث دائمًا عن معنى أعمق لكل شيء.
في ذلك المساء، وبينما كانت تتجول في الأزقة القديمة، لمحت مجموعة من الأطفال يلعبون بحماس. رأت في ضحكاتهم شيئًا نقيًا، شعورًا لمسته في نفسها حين كانت صغيرة. اقتربت منهم وجلست على أحد الأرصفة القريبة، تراقبهم بصمت، ثم قالت لهم بلطف:
"هل تحبون اكتشاف الأشياء الجديدة؟"
نظروا إليها بفضول، وتقدم أحدهم ليقول بحماسة:
"نحن نحب المغامرات!"
ضحكت ليلى وقالت:
"الحياة بحد ذاتها مغامرة، وكل يوم يحمل لنا شيئًا جديدًا لنكتشفه."
من تلك اللحظة، بدأت ليلى في مشاركة أفكارها وقصصها معهم، ليس كمعلمة أو مرشدة، بل كإنسانة تؤمن بأن كل كلمة يمكن أن تُشعل شرارة في قلب مستمعها. كانت تجد السعادة في هذه اللقاءات غير المخطط لها، في الكلمات العفوية، في العيون التي تتألق عندما تتحدث عن الأحلام والطموحات.
وفي كل مرة تغادر المكان، كانت تشعر وكأنها زرعت بذورًا صغيرة في أرض خصبة، تنتظر أن تنمو وتزهر بمرور الأيام. كان هذا الإحساس مختلفًا، عميقًا، يُخبرها أن العطاء الحقيقي ليس بحاجة إلى ألقاب أو أدوار، بل يكفي أن يكون المرء حاضرًا بقلبه وعقله في اللحظة التي يحتاجه فيها الآخرون.
**الفصل الثالث عشر: زهور الأثر العميق**
لم يكن اسم ليلى مجرد اسم في عالم التعليم، بل أصبح رمزًا للإصرار والسعي نحو التغيير الحقيقي. بعد نجاحها في المشروع الجهوي، تلقت دعوةً لإلقاء كلمة أمام نخبة من المربين. لم ترها مجرد خطابٍ تقليدي، بل لحظة لنقل رسالة صادقة عن الإيمان بالتغيير.
وقفت أمام الحضور في قاعة واسعة مضاءة بأمل الحاضرين، حيث اجتمعت وجوه مختلفة تحمل آمالًا وتطلعات. استنشقت أنفاسها العميقة ثم قالت:
*"تعلمت أن الزهور التي تنبت بين الصخور لا تحتاج إلى بيئة مثالية لتنمو، بل تستمد قوتها من جذورها العميقة. كذلك التعليم، لا يحتاج إلى ظروف مثالية، بل إلى قلوب تؤمن بأثره."*
ساد الصمت لوهلة، ثم تحولت الهمسات إلى نقاشات، وجاءت الأسئلة حول كيفية دعم المدارس في المناطق الأقل حظًا. كان اللقاء نقطة تحول، حيث تبلورت مشاريع لدعم التعليم التفاعلي، ونُظّمت ورش عمل لإعادة النظر في المناهج التقليدية.
ومع مرور الأيام، بدأت نتائج هذه الحوارات تظهر على أرض الواقع، حيث بدأت المدارس في تبني أساليب تربوية أكثر ارتباطًا بالحياة اليومية. لم يكن ذلك مجرد لقاء، بل شرارة انطلقت لإحداث تغيير في نظرة المجتمع للتعليم.
**الفصل الرابع عشر: نبتة التغيير**
بعد سنوات من العمل والتأمل، أدركت ليلى الحاجة إلى نموذج يجمع بين العلم والتكنولوجيا والقيم الإنسانية، فأسّست جمعية تهدف إلى تحسين بيئة التعلم عبر الابتكار. لم يكن الأمر مجرد فكرة، بل انعكاسًا لرؤيتها التي اكتسبتها خلال مسيرتها.
في أحد الاجتماعات التحضيرية، نظرت ليلى إلى فريقها وقالت بحماس:
"كما تحتاج الزهور إلى الضوء لتنمو، يحتاج الطلبة إلى بيئة تُحفّز عقولهم وتحتضن أرواحهم."
بدأت الجمعية بجهود متواضعة، حيث تعاونت مع مجموعة من المعلمين والخبراء الذين شاركوها حلمها. ركّزت البرامج التجريبية على دمج التعلم التفاعلي بالتكنولوجيا دون إلغاء الطرق التقليدية.
في إحدى الفعاليات، جلس الطلبة في مجموعات صغيرة يناقشون مشاريعهم، ويتبادلون الأفكار لحلول مجتمعية حقيقية. كان المشهد يعكس جوهر الفكرة التي آمنت بها ليلى: أن التعليم يجب أن يكون حيًا، متفاعلًا، ويحمل قدرة على الإلهام والتغيير.
ورغم تحديات التمويل وإقناع البعض بأهمية التغيير التدريجي، انتشرت الفكرة سريعًا، وبدأت المؤسسات التعليمية تُعيد النظر في منهجياتها، مما جعل الجمعية تجربة تثبت أن التعليم ليس مجرد نظام أكاديمي، بل جسرٌ لبناء العقول وإضاءة الأرواح.
**الفصل الخامس عشر: إرث الزهرة**
في صباحٍ هادئ، جلست ليلى أمام مكتبها العتيق، تحيط بها دفاتر مملوءة بالملاحظات وصور من مراحل حياتها المختلفة. قررت أن تكتب مذكراتها بعنوان "بين الصخر ينبت الزهر"، حيث أرادت أن تستعيد رحلتها بكل تفاصيلها.
وضعت فنجان القهوة بجانبها، وأخذت نفسًا عميقًا قبل أن تفتح الصفحة الأولى. بدأت بسرد لحظتها الأولى في المدرسة، عندما كانت تسير بخطواتٍ قلقة نحو عالم جديد. تتذكر كيف جلست في الصف الأخير، تشعر وكأنها مجرد رقم بين عشرات الطلبة، وكيف كانت تخشى مواجهة المعلمين والإجابة على الأسئلة.
لكن أكثر اللحظات التي حفرت أثرًا في روحها كانت لحظة رسوبها الأول. لم يكن مجرد تعثرٍ عابر، بل تجربة تركت بصمة في مسيرتها. تتذكر نظرات زملائها وكلماتهم المترددة بين الاستغراب والشفقة، لكنها تتذكر أيضًا رد فعل والدها الذي لم يكن يحمل خيبة أمل أو غضبًا، بل شيئًا يشبه الإيمان غير المشروط.
وضع والدها كتابًا صغيرًا أمامها وقال بهدوء:
"الفشل لا يُلغي الحلم، بل يجعله أقوى. انظري إلى هذه الصفحة، كم مرة ظنّ العلماء أنهم لن يصلوا إلى الحل؟ لكنهم لم يستسلموا."
واصلت ليلى الكتابة، وتذكرت قراراتها الجريئة حين اختارت أن تتحدى نفسها لا لتنجح فقط، بل لتثبت قدرتها على تحويل التجربة إلى بداية جديدة. كتبت عن تحدياتها مع أساليب التعليم التقليدية، وعن محاولاتها لإقناع الآخرين بأن التعلم يجب أن يكون أكثر تفاعلية وارتباطًا بالحياة.
مرت الساعات، وازدادت الكلمات عمقًا، كل صفحة كانت تحمل جزءًا من روحها، وكل فصل كان بمثابة بذرة تُزرع في قلب قارئ يبحث عن الإلهام. وعندما انتهت، وضعت القلم جانبًا، وأغلقت دفترها بهدوء، ثم نظرت إلى صورة والدها المعلقة على الجدار وهمست بخفوت:
"لقد واصلت المسير يا أبي، تمامًا كما علّمتني."
وهكذا، لم تكن مذكراتها مجرد كلمات على ورق، بل شهادة على إرث الصمود الذي زرعه والدها في قلبها، ورسالة لكل من يواجه تحديات الحياة، بأن الأمل لا يُمحى، بل يتجدد.
**الفصل السادس عشر: زهرة لا تذبل**
في إحدى أمسيات الشتاء، جلست ليلى إلى جانب والدها في حديقة المنزل، تتأمل النجوم التي بدت وكأنها تروي قصصًا قديمة عن الأمل والصمود. ابتسم والدها وهو يقول:
"هل تعلمين أن الزهرة التي زرعناها معًا في الصخر أصبحت رمزًا للحياة؟ الجميع هنا يتحدث عن قصة نجاحك."
أحاطتها كلماته بدفء خاص، وكأنها تعود طفلةً صغيرة بين يديه. ابتسمت له بحنان وقالت:
"لكن النجاح الحقيقي هو أن تُصبح زهراتي الصغيرة رموزًا للصمود والأمل."
كان ذلك المساء مليئًا بالأحاديث الدافئة، دون أن تعلم أنه سيكون الأخير. بعد أيامٍ قليلة، رحل والدها فجأة، تاركًا فراغًا لا تستطيع الكلمات أن تصفه. لم يكن مجرد فقدان شخص قريب، بل فقدان صوتٍ كان يُرشدها دومًا حين تضعف، ونورٍ كان يضيء دربها حين تتيه بين الشكوك.
مرّت الأيام الأولى من الفقدان ثقيلة، كأن كل شيء فقد معناه. لم تستطع الكتابة، ولم تقوَ على الوقوف أمام طلبتها بالقوة نفسها. صوته كان حاضرًا في كل زاوية، في كل تفصيل صغير، حتى في صمت الليل حين كانت تتأمل مكتبها دون قدرة على التقاط القلم. كانت تشعر أن الحزن أصبح ظلاً لا يفارقها، يرافق خطواتها بصمتٍ عميق.
لكن ذات ليلة، وبينما كانت جالسة أمام أوراقها، أمسكت بقلمه القديم الذي تركه فوق مكتبه ذات يوم، وشعرت أن عليه أثرًا من روحه. كان ذلك لحظة تحول، حين أدركت أن الفقدان لا يعني التلاشي، بل الامتداد. أن غياب من نحب لا يجب أن يكون نهاية، بل طريقًا لنحمل أثرهم في أعمالنا، في خطواتنا، في كل شيء نؤمن به.
فتحت دفتر مذكراتها وكتبت فصلًا جديدًا بعنوان "زهرة لا تذبل" كتبت أن الصمود لا يعني غياب الألم، بل القدرة على تحويله إلى قوة. كتبت عن الحزن الذي لم يُكسرها، بل أعاد تشكيلها، عن الذكريات التي لم تعد مجرد ماضٍ، بل أصبحت جزءًا من حاضرها ومستقبلها.
وهكذا، لم يكن فقدان والدها نهاية رحلتها، بل بداية فصل جديد، فصل يُثبت أن الزهور التي تنبت في الصخر لا تذبل، بل تمتد جذورها أعمق، لتصبح أكثر ثباتا و إضاءة.
تعليقات
إرسال تعليق