تغطية خاصة من القاهرة الكاتب الصحفي عمر ماهر
بمحكمة ما بتشبه ولا قاعة، بمحكمة ما بتتزيّن إلا بالدمع والصوت العالي، واقف هوّي، ناجي، مش محامي عادي، مش شخص حامل ملف وبدلة، هوّي وجع أم فلسطينية، هوّي دمعة ولد فقد أبوه، هوّي الصوت العالي اللي انفجر قلبه من صمت الدول. ومنذر رياحنه ؟ ما مثّل ناجي، هو صار ناجي، لبس جلده، مشى بخطاه، وغرّق العدالة بدموع الحقيقة.
بمسلسل "المحامي"، الدراما ما كانت تمثيل، كانت معركة. والميدان؟ قاعة محكمة دولية افتراضية، كأنها الجبهة الأمامية لحرب ما بين الحق والكذب، ما بين العدالة والتبرير، ما بين طفل شهيد ودولة مدججة بالقوانين الملفّقة. وهناك، واقف ناجي، صوته عم يشقّ السقف، عم يزلزل الكراسي الخشبية، عم يبكي الحجر. وخصمه؟ محامي إسرائيل، رجل بارد، ناعم الملامح بس مسموم النيّة، بيحكي بلغة قانونية بس جواتها خناجر، بيحمل ملفات مزيّفة، وبيضحك وجواته بيخبي مقابر.
ومنذر رياحنه، بهالدور، كان عم بيقاتل مش بس بوجه شخص، كان عم بيقاتل منظومة كاملة، كان عم يصرخ ضد التطبيع، ضد الكذب الدولي، ضد التساهل الغربي. ما اكتفى بالخطابات، صار وجه القضية، صار الرصاصة اللي ما بتقتل، بس بتوقظ، صار اليد اللي عم تطبّب الجرح بس بخطاب.
كل مشهد من "المحامي"، كان رصاصة قانونية بتكسر جدار صمت، كل لحظة كان ناجي واقف فيها وعم يسمع شهادات عن غزة، عن المستشفيات اللي تحوّلت لمقابر، عن الأطفال اللي ناموا تحت الركام، عن الآذان اللي انقطعت من صوت الطيارات... كانت دمعة بتنزل من عينه، وبتتحوّل لمرافعة، وبتتحوّل لصاعقة. وكان منذر ريحانة بهي اللحظات، عم يعطي الحياة مشهد حقيقي عن كيف لازم يكون الفنان: سلاح.
والمعركة الكبرى؟ كانت المواجهة الحاسمة مع المحامي الإسرائيلي، لما وقف ناجي وكأنه يريد ان يقول له "أنتو ما بتدافعوا عن دولة، أنتو بتدافعوا عن آلة قتل. أنا مش عم بحكي سياسة، أنا عم بحكي دم. وإذا القانون ما بيحمي المظلوم، فهوّ مجرم متل الجلاد". سكتت القاعة، تنفّس الجمهور، العالم اللي عم بيتابع حسّ حاله بقلب الحدث. هيدا الكلام ما بينكتب، هيدا بينولد من صرخة أم، من دعسة مقاتل، من آهة لاجئ.
ومنذر؟ ما اكتفى. كان صوتو عم يوصل، وعيونو عم تفضح، وجسمه كلّه صار ساحة معركة. ومع كل مشهد، كان يعطي دروس بالتعبير، بالحضور، بالكرامة. صار المحامي اللي كل عربي بيحلم يكون عنده واحد متله. ناجي مش شخصية، ناجي هو النبض الفلسطيني وقت يسكت الكل.
والمسلسل؟ "المحامي"، ما كان بس دراما. كان وثيقة، كان محكمة تاريخية مصغّرة، كان تذكير إنو غزة مش رقم، وإنو فلسطين مش حكاية انتهت.
منذر، بلحظة وحدة، نقل القضية من الورق للنبض. زرع بغصّة العالم شوية كرامة، وخلى كل واحد يحس حاله عم يترافع عن بلده، عن إنسانيته. وبكل حرف قاله، بكل نظرة وجّهها، بكل دمعة طاحت من عيونو، كان يقول: "أنا مش عم بمثّل، أنا عم بقاوم".
ناجي، بلسان منذر رياحنه، مش بس حكى عن فلسطين، هو علّم كيف نحكي. ومن هالمنبر، من قاعة المحكمة الفنية، طلع صوت الحق عالي، وصرخ: "غزة مش لحالها... طالما في فن حرّ، طالما في منذر، طالما في كلمة بتجرّح الكاذب".
العمل بطولة منذر رياحنه ، جوان خضر، تاتيانا مرعب، مروة الأطرش ، ختام اللحام وكارمن لبوس بمشاركة عدد من نجوم العالم العربي كضيوف شرف.. أحمد بدير و علاء مرسي، عمار شلق ،طارق مرعشلي ، صفاء سلطان
تعليقات
إرسال تعليق