القائمة الرئيسية

الصفحات


بقلم: ويصا البنا
في بلاد العم سام، لم تعد الرصاصة وحدها هي التي تقتل. كلمة، صورة، أو حتى صدفة بحرية قد تكفي لإشعال حرب أهلية مصغرة على منصات التواصل. وآخر دليل؟ جيمس كومي، المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي قرر أن يتنزه على الشاطئ، ويشاركنا صورة لأصداف على شكل "86" و"47"، فإذا به يُتهم بالترويج لاغتيال الرئيس!
نعم، أنت لم تُخطئ القراءة… صورة أصداف.
في بلد يدّعي قيادة العالم، تحوّل الرقم 86 من كود مطعم إلى رمز للقتل السياسي، والرقم 47 من ترتيب رئاسي إلى إعلان حرب غير معلن على دونالد ترامب. وما بين الأصداف والضجيج، اكتشفنا أن حرية التعبير في أمريكا باتت تُقاس بعدد التأويلات الممكنة للصورة، لا ببراءة صاحبها.
ترامب الابن لم يُفوّت الفرصة، فخرج علينا وهو يرتجف من الخوف قائلاً: "إنهم يريدون قتل أبي". وكأننا أمام حلقة جديدة من برنامج الواقع "آل ترامب: عائلة في خطر"، حيث يتحول كل منشور إلى محاولة اغتيال، وكل انتقاد إلى محاولة انقلاب.
ووزارة الأمن الداخلي؟ أسرعت بفتح تحقيق، وكأن كومي كان يزرع قنابل لا أصدافًا. أما تولسي غابارد، فطالبت بسجنه فورًا، وكأن الصورة ارتكبت جريمة حرب.
يا سادة، نحن لا نعيش في فيلم أمريكي من نوع "جريمة وغموض"، بل في مسرحية عبثية عنوانها: "من قتل البراءة في بلاد الأحرار؟"
أمريكا اليوم ليست في أزمة منشور، بل في أزمة عقل.
دولة تعاني من "بارانويا وطنية"، ترى المؤامرة في الأرقام، والخيانة في ترتيب الأصداف، وتطالب بمحاكمة من لا يفهم قوانين علم النفس السياسي الجديد: لا تقترب من الرقم 47، ولا تذكر 86، وإلا... فأنت متهم حتى إشعار آخر.
كومي قد يكون مخطئًا… أو ربما فقط ظن أن الناس ما زالت تعرف الفرق بين صورة على إنستغرام وتهديد إرهابي. مؤسف، لكنه تعلم الدرس: في أمريكا 2025، الصدف أغلى من حرية التعبير.
ويصا البنا
محلل وخبير القانون الدولي

تعليقات