القائمة الرئيسية

الصفحات

حكام المائة يوم فى دولة المماليك: قصص عابرة على كرسى العرش


كتب/ أيمن بحر 


يروى التاريخ حكايات مدهشة عن كرسى الحكم ذلك المقعد الذى لا يضمن الاستقرار لمن يجلس عليه. بعضهم ترك بصمة خالدة رغم قصر مدته، وآخرون غابوا فى طيات النسيان رغم طول بقائهم. فى دولة المماليك، شهد العرش حكامًا لم تتجاوز فترة حكمهم مائة يوم قصصهم مزيج من الطموح والمكر والمصادفات. دعونا نستعيد بعض هذه الحكايات بأسلوب يمزج البساطة بالتشويق.

شجرة الدر: ملكة الثمانين يومًا

شجرة الدر الجارية الخوارزمية التى صارت ملكة، دخلت التاريخ من أوسع أبوابه. اشتراها السلطان الصالح نجم الدين أيوب فأعتقها وتزوجها وأنجبت له ابنه خليل. بعد وفاة زوجها عام 1249م أخفت شجرة الدر خبر موته للحفاظ على استقرار البلاد أمام الحملة الصليبية السابعة بقيادة لويس التاسع. نقلت جثمانه سرًا إلى قلعة الروضة ونسقت مع قادة الجيش لإدارة الأزمة.

بعد تنصيب توران شاه ابن الصالح سلطانًا سرعان ما تخلص المماليك منه بسبب محاولته القضاء عليهم. هنا، اختار المماليك شجرة الدر لتكون سلطانة فى خطوة غير مسبوقة. نقش اسمها على النقود بعبارة ملكة المسلمين، والدة خليل أمير المؤمنين. لكن حكمها لم يدم طويلًا؛ فقد قوبل بمعارضة شعبية وعلمائية بقيادة العز بن عبد السلام، ورفض الخلافة العباسية والأيوبيين فى الشام. تحت الضغوط تنازلت شجرة الدر عن العرش بعد 80 يومًا للأمير عز الدين أيبك الذى تزوجته. رغم قصر مدتها، لا تزال ذكراها حية فى التاريخ والذاكرة الشعبية.

سلامش: بن بيبرس وسلطان المائة يوم

بدر الدين سلامش ابن السلطان ركن الدين بيبرس نصب سلطانًا عام 1279م وهو في السابعة من عمره، بلقب الملك العادل. جاء تنصيبه بعد إجبار أخيه الملك السعيد على التنازل. كان قلاوون أحد كبار الأمراء الحاكم الفعلي، يدير البلاد باسمه. خطب باسميهما في المساجد، وضرب النقود باسميهما معًا.

بعد مائة يوم رأى قلاوون أن الوقت حان لتولى الحكم بنفسه. استدعى الأمراء والقضاة، وقال: المملكة لا تقوم إلا برجل كامل. وافق الجميع فخلع سلامش ونُصب قلاوون سلطانًا. رغم صغر سنه، كان سلامش محبوبًا لجماله وبهائه حتى تغنى الشعراء بحسنه وأطلقوا على ثغره السلامشى كناية عن سحره.الناصر أحمد: تسعون يومًا من الفوضى شهاب الدين أحمد، ابن الناصر محمد بن قلاوون، نصب سلطانًا عام 1342م وهو فى الكرك. استمر حكمه ثلاثة أشهر، منها خمسون يومًا قضاها خارج القاهرة. كان سلوكه غريبًا فضّل أصحابه الأعراب من الكرك على أمراء مصر، وأغدق عليهم بالمناصب والأموال. نهب خزائن الدولة ونقل ثروات أبيه من ذهب وجواهر إلى الكرك حتى سلب زينة القلعة.أثار تصرفاته غضب الأمراء فخلعوه بعد فترة حكم سيئة السمعة. حوصر فى الكرك وقتل عام 1344م وأُرسلت رأسه إلى القاهرة. كانت أيامه مضطربة، لم تترك سوى ذكرى الفوضى.

المنصور عز الدين: شهران وعشرة أيام

عز الدين عبد العزيز، أخو السلطان الناصر فرج بن برقوق، نُصب سلطانًا عام 1405م بعمر عشر سنوات بلقب المنصور. جاء تنصيبه بعد خلع أخيه بسبب الاضطرابات. عُين الأمير بيبرس أتابكًا له، لكن الصراعات بين الأمراء خاصة يشبك العثمانى أعادت فرج إلى العرش. حكم عز الدين 70 يومًا فقط ثم أُرسل إلى دار الحريم مع أمه وتوفى عام 1406م وهو فى السادسة عشرة.

الظاهر ططر: أربعة وتسعون يومًا

أبو الفتح ططر سُمي كذلك لأن أول من طرق باب بيته بعد ولادته كان ططريا حسب عادة الجراكسة. نُصب سلطانًا عام 1421م بعد أن كان وصيًا على السلطان الرضيع شهاب الدين. تزوج أم الرضيع، سعادات ثم خلع الطفل ونصب نفسه سلطانا وطلقها فى اليوم التالى خوفًا من نفوذها. لكن سعادات بمكرها دست له السم، فمات بعد 94 يومًا من الحكم، وهو فى الخامسة والخمسين.

العزيز يوسف: ثلاثة أشهر فى سن الرابعة عشرة جمال الدين يوسف ابن الأشرف برسباى نصب سلطانًا عام 1438م بعمر 14 سنة بلقب العزيز. تولى الحكم بعد وفاة والده لكن الأمير جقمق، أتابك العسكر تحرك ضده. في سبتمبر 1438م عزل يوسف بمساندة الأمراء والخليفة العباسى وأُرسل إلى دار الحريم مع أمه، ونُصب جقمق سلطانًا. استمر حكمه ثلاثة أشهر فقط.

المنصور عثمان: ثلاثة وأربعون يومًا

فخر الدين عثمان ابن الظاهر جقمق تولى الحكم عام 1453م بعمر 19 سنة. تنازل له والده عن العرش قبل وفاته، لكن الأمراء طالبوه بزيادة نفقات العسكر. رفض، مدعيًا أن الخزانة شبه خاوية فاتُهم بالكذب. قبض على بعض الأمراء وسجن آخرين، ودفع رواتب مغشوشة فتمردوا عليه. حوصر فى القلعة وخُلع بعد 43 يوما وسُجن فى الإسكندرية.

الظاهر بلباى: المجنون الذى حكم شهرين إلا يومين

سيف الدين بلباى الملقب بـ المجنون نُصب سلطانًا عام 1467م وهو فى السبعين من عمره. لم يكن يرغب فى الحكم لكنه وُضع على العرش قسرًا. كان ضعيف الشخصية لا يقرأ ولا يكتب والحاكم الفعلي كان خاير بك. اشتهر بقوله: قولوا لخاير بك عندما يُسأل عن أي قرار. بعد 58 يومًا، تمرد المماليك المؤيدية، فخُلع وسُجن في الإسكندرية، حيث توفي عام 1468م بالطاعون.

الظاهر قانصوه خمسمائة: سلطان الثلاثة أيام

الأشرف قانصوه، أتابك الناصر محمد بن قايتباى تولى الحكم عام 1497م بعد خلع السلطان الناصر. استمر حكمه ثلاثة أيام فقط قبل أن يهزم فى خان يونس ويعود الناصر إلى العرش. لُقب بـ خمسمائة لأنه كان من الأمراء الذين يقودون خمسمائة فارس.

تعليقات