القائمة الرئيسية

الصفحات

الكاتب الصحفي عمر ماهر يكتب "أنا الطفل اللي أنذبح وأنا عايش"



أنا... أنا مش عارف ابتدي منين...أنا صوتي بيرتعش...أنا جسمي كله وجع...أنا قلبي مش بيصدق اللي حصلي...كنت فاكر إن الكبير سند...كنت فاكر إن الكبير ضهر...كنت فاكر إن اللي بيلبس بدلة، واللي بيقولوله "يا باشا"، واللي شايل شهادات وبيمشي الناس بالطول والعرض... بيخاف ربنا...بس لأ...طلعت البراءة مش كفاية تحميني،طلعت البدل مش دايمًا تغطي الوحوش....طلعت الألقاب مش بتحفظ القلوب من السواد.


ليه؟ ليه أنا؟


أنا كنت بلعب... كنت بضحك...كنت طفل بيدور على حضن دافي مش على طعنة في ضهري.....بس فجأة... فجأة لقيت نفسي لوحدي....هو قفل الباب، قفل النور، وقفل الدنيا كلها عليا....حاولت أصرخ.....حاولت أجري...حاولت أقول لأ...

بس كان أقوى... كان أناني... كان ميت القلب....كأني مش بني آدم.....كأني مش روح...كأني جماد... لعبة ممزقة بين إيدين وحش بيضحك ومش فارق معاه الدم اللي بينزل من عيني قبل جسمي.


مش كل مجرم جاهل... بعضهم محترمين قدام الناس


الناس بتقول الجهل هو السبب....أنا بقولهم: لأ...اللي أذاني مش جاهل...اللي أذاني مش عيل صغير مش فاهم...اللي أذاني راجل متعلم... معاه شهادات...واقف قدام الناس بكل فخر... بيقول خطب عن الأخلاق والشرف...بس ورا الأبواب، بيرتكب أبشع جريمة ضد طفل بريء....الوحش مش بيبان في شكله....الوحش ساكن جوا قلوب ماتت من جوه، قلوب مسودة، مبتحسش إلا بلذتها المريضة.


أنا بنزف... بنزف ومحدش سامع


أنا لما رجعت بيتي...ماكنتش طفل...ماكنتش بني آدم...كنت شوية كسور ماشية على الأرض...كنت خايف، كنت متبهدل، كنت حاسس الدنيا كلها شياطين ماشية على رجلين...حاولت أقول...بس خفت....خفت محدش يصدقني...خفت يقولوا عليا كداب...خفت أمي وأبوي يتعاقبوا بدل ما يطبطبوا عليا....خفت إن كل حاجة جوايا تنكسر أكتر من كده.


وأنا بحكي... ببكي


كل مرة بحاول أحكي،..بحس كأن سكينة بتشق حلقي...كأن كل كلمة ألم، كل حرف جرح، كل تنهيدة نزيف جديد.

عايز أصرخ وأقول:

"أنا موجوع..."،"أنا مكسور..."."أنا اتسرقت مني حياتي وأنا لسه صغير..."

بس مين يسمع؟ مين يحس؟مين يمد إيده ينقذني من الجحيم ده؟


أين القانون؟ أين الأمان؟


فين القانون اللي بيقولوا عليه؟ فين العدالة اللي بتحمينا؟ ليه اللي بيؤذينا ساعات بيخرج من المحكمة مبتسم؟

ليه أنا بفضل طول عمري مشلول من الخوف، وهو بيعيش حياته عادي، بيضحك، بيسافر، بيتهنى؟ ليه مايبقاش العقاب زي الجريمة: مافيهوش رحمة؟ ليه ماندوسش على الوحوش زي ما دوسوا على قلوبنا؟


مفيش إنقاذ غير لما تصدقوني


صدقوا دموعي قبل ما تنشف...صدقوا رعشة إيدي وأنا بحكي...صدقوا الخوف اللي مالي عيوني...ما تقولوش عني كداب،

ما تقولوش "يمكن فاهم غلط"،...ما تحاولوش تدافعوا عن وحش لمجرد لابس بدلة حلوة أو عنده منصب عالي.


مش عايز غير الأمان


أنا مش طالب كتير....أنا مش عايز غير لما أضحك، أضحك بجد.....أنا مش عايز غير لما أنام، أنام وأنا مطمن....أنا مش عايز غير لما أجري في الشارع، أجري وأنا مش خايف من إيد حقيرة تمد عليا....أنا مش عايز غير أرجع طفل زي ما كنت.

بس يا ترى... ممكن ده يحصل بعد اللي حصل؟


صرخة أخيرة


لو سكتم....هتخلوا الوحوش تكبر، وتاكل أطفال تانيين.....لو طنشتوا.....كل طفل في الشارع هيتحول لنسخة مكسورة مني...لو ما حميتونيش...العالم ده مش هيبقى فيه أي براءة... ولا حتى نقطة نور....أنقذونا... قبل ما نصبح إحنا وأحلامنا حكايات حزن مكتومة إلى الأبد.


النداء الأخير... قبل أن يختفي صوتي


"الحقوووووووووني!!!....أنا بضيع....أنا بنزف ومحدش لاقيني...أنا صوت بيغرق في صمتكم....أنا حلم بيموت قدام عنيكم.....أنا مش جرح بسيط...أنا نزيف مش بيقف...أنا براءة انكسرت تحت رجلي وحش لابس قناع ملاك...الحقوني قبل ما أكبر والكسرة دي تفضل محفورة في قلبي طول حياتي...الحقوني قبل ما أتحول لإنسان ميت بيمشي وسط الناس...

الحقوني قبل ما أكره الضحكة... أكره الناس... أكره نفسي...أنا مش قادر أتحمل أكتر...أنا مش قادر أكمل الطريق وأنا شايل فوق ظهري جرح أكبر من عمري...حاسس إني بتلاشى...حاسس إني بختفي...حاسس إني بتحول لصرخة ضايعة في الهوا...أقسم بالله إني موجوع!...أقسم بالله إني اتسرقت!...أقسم بالله إني ماعدتش زي زمان!


"أنقذوا الطفل اللي جواي...قبل ما يموت للأبد."

تعليقات