القائمة الرئيسية

الصفحات

تحديات المجالس الرقمية في تعزيز الحوار



ا. رحاب هاشم 


في لقاء مع الأستاذة رحاب هاشم عن تحديات المجالس الرقمية في تعزيز الحوار


وبسؤال عن كيف عزز الحوار الروابط الاجتماعية عبر العصور

أوضحت أ/رحاب هاشم أن هذا الموضوع يعكس التغيرات الثقافية والاجتماعية التي مر بها الإنسان منذ هبوط سيدنا آدم علية السلام على الأرض حيث يعتقد أن المجالس الأسرية كانت تقام للتشاور وحل المنازعات نظرا للطبيعة البسيطة للحياة والمجتمعات الأولى فكانت هذه المجالس تركز على القيم العائلية والبقاء المشترك

وضربت أ/رحاب هاشم بعض الأمثلة لذلك 


فنجد نقاش أبناء سيدنا آدم عليه السلام قابيل وهابيل وفقا لما ورد في القرآن الكريم لم يكن مباشرا حول العدالة ولكنه يتمحور حول تقديم القربان لله تعالى وهو مايعكس مفهوم العدالة الإلهية في قبول الأعمال بناء على النية والإخلاص ودعوة سيدنا نوح عليه السلام لقومه بالحوار والصبر لمئات السنين لحل النزاع بينهم وبين دعوته وحوار سيدنا إبراهيم عليه السلام مع قومه حول عبادة الأصنام بأسلوب المنطق والإقناع والتعامل الحكيم لسيدنا يوسف عليه السلام مع إخوته


 إلى أن صفح عنهم وموقف سيدنا موسى مع فرعون واستخدام الحوار لإبلاغ الرساله ولا ننسى سيدنا سليمان عليه السلام الذي فصل النزاع بين امرأتين حول الطفل الذي أتاه الله الحكمة وعلمه فصل الخطاب وفرق في حكمه بين العاطفة والعقل ودعوة سيدنا عيسى عليه السلام للسلام والحب والتسامح حتى مع الذين عارضوه وكيفية حل سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام للنزاع بين القبائل في حادثة الحجر الأسود ومن هنا ندرك أن الحوار يتميز بالاحترام المتبادل والاستماع الجيد والقدرة على التعبير عن الافكار بوضوح لتبادل الأفكار والمعلومات بين طرفين أو أكثر بهدف الوصول إلى فهم مشترك أو حل قضية معينة 


ومن هنا أكدت أ/رحاب هاشم تطور المجالس الثقافية عبر العصور بأنها كانت دائماجزءا أساسيا من تطور المجتمعات لنشر المعرفة وتوثيق التراث الثقافي 

فقالت أننا نجد في العصور القديمة 

المجالس الثقافية والعلمية في الحضارة الفرعونية حيث كان العلماء والكهنة يجتمعون لمناقشة القضايا العلمية والدينية وتعقد هذه المجالس في المعابد والمدارس الملحقة بها وكانت تركز على مجالات الطب والفلك والهندسة كمعبد الكرنك الذي كان مركزا للبحث الفلكي والديني وكان الأطباء يتعلمون ويدرسون في مدارس ملحقة بالمعابد مثل مانجده في بردية سميث التي تعتبر من أقدم النصوص الطبية في العالم وتظهر تقدم المصريين في الجراحة 


ومجالس المهندسين كانت تعقد لتصميم وبناء الأهرامات والمعابد مثل هرم خوفو الذي يظهر براعة المصريين في الهندسة كما كان الكتبة يجتمعون أيضا لتطوير الكتابة الهيروغليفية وتوثيق الأحداث التاريخية وتلك هي النقوش الموجودة في معبد أبو سمبل التي تظهر إنجازات رمسيس الثاني فساهمت هذه المجالس في تطوير العلوم والفنون التي أثرت على الحضارات اللاحقة بما في ذلك الحضارة الإغريقية فكانت مصدر إلهام للفلاسفة والعلماء الإغريق الذين استفادوا من المعرفة المصرية 


ثم نذهب للحضارة الإغريقية لنجد سقراط الذي يستخدم الحوار الفلسفي كأداة لاستكشاف الحقيقة من خلال النقاش المفتوح لتحفيز التفكير النقدي واستكشاف المفاهيم الأخلافية والإنسانية وهو ما يعرف بالمنهج السقراطي فكان سقراط جزءا من الحضارة الإغريقية التي سبقت ظهور الإسلام والعصور الإسلامية بقرون فهذا العصر كان له تأثير كبير على الفلاسفة والعلماء الذين جاءوا بعد ذلك بما فيهم الفلاسفة المسلمون في العصر العباسي مثل الفارابي وابن سينا 


ثم نأتي للعصر الجاهلي فكانت الأسواق مثل سوق عكاظ تعتبر مجالس ثقافية تجمع الشعراء والخطباء لتبادل الأفكار والمنافسة الأدبية حيث استخدم الشعراء الحوار للتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بأسلوب يتميز بالبلاغة والفصاحة مثل قصائد امرئ القيس التي تضمنت حوارات مع الحبيبة والصاحب الوهمي مثل قوله

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل فكانت هذه المجالس تعزز الروابط الاجتماعية وتظهر القيم الثقافية للعرب


 

ومانراه بعد ذلك من مجالس الأنبياء كمجالس النبي موسى عليه السلام الذي كان يجتمع مع بني إسرائيل لتعليمهم التوراة وتوضيح الأحكام الشرعية مثل حواره مع قومه بعد عبور البحر لتوجيههم نحو عبادة الله وحده 

ومن بعده مجالس النبي سليمان عليه السلام التي كان يستمع فيها لقضايا الناس ويصدر أحكاما عادلة ويظهر القيادة الفريدة التي تميز بها النبي سليمان حينما طلب من حاشيته إحضار عرش بلقيس قبل وصولها إليه ليظهر عظمة قدرة الله ويثبت صدق نبوته


 وفي العصر الإسلامي تطور الحوار ليصبح وسيلة لنشر الدين وتعزيز القيم الإنسانية فكان الرسول عليه السلام يستخدم الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة مع التركيز على الإقناع بالحجة والمنطق مثل حواره مع وفد نصارى نجران حيث أظهر التسامح واحترام الآخر مما ساهم في تعزيز التفاهم بين الأديان 

 ‏

وكانت مجالس الرسول في المسجد النبوي مكانا للتعليم والحوار حيث كان الصحابة يجتمعون لتلقي العلم وطرح الأسئلة واستخدم الرسول أساليب متنوعة مثل القصص والأمثال لتحفيز التفكير وامتدت حلقات العلم في المساجد بعد ذلك امتدادا لمجالس سيدنا محمد مثل حلقات الإمام مالك في المدينة والإمام أبو حنيفة في الكوفة التي كانت تركز على تفسير القرآن وتعليم الحديث


ثم جاء العصر الأموي الذي ازدهرت فيه المجالس الثقافية التي جمعت العلماء والشعراء لتبادل الأفكار وكان الحوار يستخدم كأداة سياسية وثقافية لتعزيز مكانة الدولة كمجالس الخليفة معاوية بن أبي سفيان حيث كان يناقش القضايا السياسية والثقافية مع العلماء والمفكرين 

.. ويليه العصر العباسي الذي شهد تطورا كبيرا في الحوار العلمي والثقافي


 حيث ظهرت مؤسسات مثل بيت الحكمة في بغداد ومن أبرز أدواره ترجمة الأعمال الفلسفية والعلمية واليونانية والفارسية والهندية إلى العربية مما ساهم في نقل المعرفة بين الثقافات ولم تكن الترجمة مجرد نقل للنصوص بل تضمنت شرحا وتفسيرا وتعليقا مما أدى إلى إثراء المحتوى العلمي والفكري والتفاعل بين العلماء في مختلف التخصصات مما ساهم في تطوير نظريات علمية جديدة وتحقيق تقدم كبير في مجالات الفلك والرياضة والطب مما أتاح تبادل الأفكار والعمل معا في بيئة منفتحة ومتسامحة وتعزيز مكانة اللغة العربية 

 ‏

 ‏حيث كانت لغة التواصل العلمي والفكري بفضل النشاط العلمي المكثف في بيت الحكمة مما ساهم في توحيد الجهود العلمية عبر العالم الإسلامي والانفتاح الثقافي مع علماء من مختلف الأديان والأعراق مما عزز التفاهم والتعاون بين الشعوب المختلفة


 ثم نأتي للعصر الحديث

 ‏

الذي بدات تظهر فيه الصالونات الأدبية في القرن التاسع عشر وتعقد لقاءات تجمع المفكرين والأدباء لمناقشة القضايا الفكرية والثقافية ونتذكر معا محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة الذي أدرك أهمية التعليم والثقافة في بناء الدولة خلال فترة حكمه وأسس العديد من المؤسسات الثقافية والعلمية كمدرسة الألسن التي أسسها رفاعهه الطهطاوي لتعليم الترجمة ونقل العلوم من الحضارات الأخرى في عهد محمد علي وكذا اعتماده على البعثات التعليمية إلى أوروبا لتعلم العلوم الحديثة لإثراء الحياة الثقافية في مصر وكانت تعقد المجالس العلمية آنذاك في المدارس والمعاهد التي أنشأها ومن هنا جاء،سؤالي لأساتذه رحاب هاشم ما سمات المجالس الرقمية في تعزيز الحوار 


أوضحت أ/رحاب هاشم بأنها أصبحت تواكب تحديات المستقبل وتعزز التفاهم بين الثقافات المختلفة والحوارات المستقبلية لأنها تتيح إمكانية التواصل المباشر بين المشتركين باستخدام خاصية التعليقات أو الدردشة على المنصات الرقمية فيمكن لأي شخص لديه اتصال بالإنترنت المشاركة في المجالس الرقمية أو اللايفات التي تناقش موضوعات متعددة كما يمكن تسجيل الندوات الرقمية ومشاركتها على اليوتيوب وإرسالها للأصدقاء عبر التطبيقات 


 وأصبحت تتيح التفاعل المتعدد باستخدام النصوص والصور والفيديوهات والعروض التقديمية لتعزيز الحوار كما أن الشركات والشراكة الدولية صفقات تدار من خلال المجالس الرقمية مما عزز وسهل وساهم في التنمية واقتصاديات الاشخاص والمؤسسات والدول

وكما تتضح فوائد المجالس الرقمية في الاستخدامات المدنية كذا العسكرية من خلال غرف العمليات العسكرية والمؤتمرات الرقمية بين الرؤساء والدول وفي إدارة الأزمات والكوارث 


 وهذا ماشاهدناه في جائحة كورونا فكانت المجالس الرقمية تلعب دورا حيويا بين الناس للتغلب على قيود التباعد الاجتماعي ونتج عن ذلك كثرة ظهور بعض المواهب كإلقاء الأشعار والعزف والرسم على المنصات الالكترونية التي تهون على الناس الأزمة وملازمتهم في البيت في تقليل العزلة الاجتماعية كما وفرت المجالس الرقمية مساحه للنقاشات الثقافية والفكرية بين مختلف الشعوب مما ساهم في تعزيز التفاهم العالمي

و التعلم عن بعد ونشر الوعي الصحي من خلال الندوات التي نظمتها المؤسسات الصحية لتوعية الناس

ولكن أ/رحاب هاشم قد تواجه المجالس الرقمية تحديات فما هي من وجهة نظرك


أجابت أ/رحاب هاشم نعم

١.. قد تكون هذه التحديات بسبب نقص التفاعل الشخصي في المجالس الرقمية مما يؤدي إلى سوء فهم الرسائل أو النوايا مما يضعف جودة الحوار


٢.. انتشار الأخبارالزائفة أو المضللة على المنصات الرقمية تشكل تحديا كبيرا حيث يؤثر على مصداقية الحوار

٣.. وجود التطرف الفكري أو الخطابات التحريضية في بعض المجالس الرقمية مما يهدد التفاهم بين الثقافات 

٤.. كثرة المعلومات المتاحة على المنصات الرقمية قد تسبب تشويشا للمشاركين مما يجعل من الصعب التركيز على القضايا المهمة 


٥.. عدم إلمام المشاركين بالتكنولوجيا تعيق فعالية المجالس الرقمية 


٦..عدم توفر الإنترنت أو الأجهزة الرقمية لبعض الفئات يحد من شمولية المجالس الرقمية ويعزز الفجوة بين المجتمعات


٧.. التفاعل السطحي أو السريع بدلا من الحوار العميق يقلل من جودة النقاشات والبعض يناقش دون أدله أو علم أو درايه كامله 


إذن سؤالي أ/رحاب هاشم كيف نتجنب التحديات التي تواجهها المجالس الرقمية أو نجد لها حلولا

فأشارت أ/رحاب هاشم لبعض النقاط ألا وهي

١_ استخدام تقنيات الفيديو والصوت في المجالس الرقمية لتقليل سوء الفهم الناتج عن نقص التفاعل الشخصي


٢_ الاعتماد على المصادر الموثوقة من المعلومات قبل نشرها  

٣_ وضع قواعد صارمة للحوار تمنع نشر الأفكار المتطرفة أو الخطابات التحريضية


٤_توفير برامج تدريبية مجانية لتعليم استخدام التكنولوجيا الرقمية 


٥_ تشجيع النقاشات المستندة إلى البحث والتحليل بدلا من التفاعل السريع وأن تصبح هي الترند والعمل على نشرها من خلال التطبيق أفضل مما نجده من ترندات تافهة 


وفي نهاية الحوار نوضح أن المجالس الرقمية تلعب دورا جوهريا وفعالا علينا تقديمه وانتشاره لتعزيز الحوار العالمي وتحقيق التواصل الثقافي والفكري بين الأفراد والمجتمعات

تعليقات