مقابلة : الكاتب الصحفي والناقد الفني عمر ماهر
في زمنٍ ازدحمت فيه الشاشات بالصخب، وتجرّأ فيه من لا علم لهم على نصوص الشريعة، تتجلى الحاجة إلى منارات علم نقي، تعيد ضبط البوصلة وتفصل بين الوهم والحقيقة.
وفي قلب هذا الضجيج، يعود موضوع الميراث في الإسلام إلى ساحة الجدل، وتُطلق بعض الأصوات الساذجة أو المأجورة اتهاماتٍ جائرة، أبرزها أن المرأة مظلومة في تقسيم الميراث.
لكن الحقيقة، كما يؤكدها العلم والفقه، شيءٌ آخر تمامًا. ولأجل ذلك، كان لنا هذا الحوار الخاص مع سعادة الدكتور علي عبد العزيز، مدرس الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق – جامعة المنصورة، لنكشف من خلاله فلسفة المواريث كما أرادها رب العالمين، ونُسكت كل لسانٍ تطاول على عدالة الإسلام.
بدايةً دكتور علي، ما السر في أن الله تعالى هو الذي تولى بنفسه تقسيم الميراث، ولم يتركه للبشر؟
السرّ في ذلك هو أن الميراث حقّ، والحقوق لا تُترك لاجتهاد البشر، ولا تتبع أهواء الورثة. ولذلك تولّى الله عز وجل بنفسه تقسيم التركة في آيات محكمة بيّنة، وحدد لكل وارث نصيبه فرضًا من الله، وذلك لحسم النزاع بين الورثة ومنع الظلم. فلو تُرك الميراث للتفاهم أو العُرف، لتنازع الورثة، ووقع الظلم والقطيعة.
ولكن هناك من يتهم الإسلام بأنه ظلم المرأة حين جعلها ترث نصف الرجل، ما ردّكم؟
هذا الاتهام مبني على جهلٍ فاضح بعلم الميراث. فالمرأة لا ترث نصف الرجل إلا في أربع حالات فقط لا خامس لها، وهي:
1. الابن مع البنت،
2. ابن الابن مع بنت الابن،
3. الأخ الشقيق مع الأخت الشقيقة،
4. الأخ لأب مع الأخت لأب.
في هذه الحالات فقط، ترث المرأة نصف الرجل لأنهما في نفس الجهة ونفس الدرجة والمركز القانوني، لكن الرجل هو من يتحمل الأعباء المالية والاجتماعية، فهو يُنفق على البيت، ويُعيل زوجته وأبناءه، وأحيانًا أخته التي ورثت معه أيضًا.
وماذا عن بقية الحالات؟ هل هناك صور ترث فيها المرأة مثل الرجل أو أكثر منه؟
نعم، وهذه هي المفاجأة الكبرى التي يجهلها الكثيرون. المرأة في الإسلام قد ترث مثل الرجل تمامًا، وقد ترث أكثر منه، بل وقد ترث ولا يرث الرجل شيئًا.
نبدأ بالحالات التي ترث فيها المرأة مثل الرجل، ما أبرز الأمثلة على ذلك؟
هذه بعض الصور:
1. إذا ترك الميت بنتًا وأبًا: البنت تأخذ نصف التركة، والأب يأخذ النصف الآخر تعصيبًا.
2. إذا ترك بنت ابن وجدًا: نفس التقسيم تمامًا.
3. إذا ترك ابنًا وأبًا وأمًا: الأب سدس، الأم سدس، والابن الباقي.
4. إذا ترك ابن ابن وجدة وجدًا: لكل من الجدة والجد السدس.
5. إذا ترك بنتًا وابن ابن: نفس القسمة.
6. إذا ترك أخًا لأم وأختًا لأم وعمًا: الأخ والأخت يتقاسمان الثلث بالتساوي.
7. إذا ترك أختًا شقيقة وأخًا لأب: الأخت نصف التركة، والأخ لأب الباقي.
هل يمكن أن ترث المرأة أكثر من الرجل؟ وهل توجد حالات كثيرة لذلك؟
نعم، وهي أكثر مما يتصور الناس، منها:
1. إذا ترك الميت بنتًا وأبًا وأمًا: البنت ترث نصف التركة، الأب سدس، الأم سدس، والباقي يُردّ.
2. إذا ترك بنت ابن وجدًا وجدة: بنت الابن ترث أكثر من الجد.
3. إذا تركت الميتة بنت ابن وزوجًا وأبًا: البنت ترث أكثر من الجميع.
4. إذا تركت الميتة زوجًا وبنتًا: البنت تأخذ النصف، والزوج الربع، والباقي رَدًّا على البنت.
5. إذا ترك أمًا وأختًا شقيقة وأخًا لأب: الأخت الشقيقة ترث أكثر من الأخ.
6. إذا ترك زوجة وأختًا لأب وابن أخ شقيق: الأخت لأب ترث أكثر من ابن الأخ.
وهل توجد حالات ترث فيها المرأة فقط دون الرجل؟
نعم، وهي حالات حجب كامل، مثل:
1. إذا ترك الميت بنتًا وأخًا لأم: البنت تحجبه.
2. إذا ترك بنتًا وأختًا شقيقة وأخًا لأب: الأخت ترث بالتعصيب مع البنت وتحجب الأخ لأب.
3. إذا ترك بنت ابن وأختًا لأب وابن أخ شقيق: الأخت لأب ترث بالتعصيب وتحجب ابن الأخ.
4. إذا ترك بنت ابن وإخوة لأم: جميع الإخوة يُحجبون بسبب البنت.
كيف تردون على من يطعن في آيات الميراث أو يدعو لتعديلها بحجة المساواة؟
هؤلاء ضلتهم أهواؤهم وخدعهم بريق الشهرة. يقول الله تعالى:
﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ ﴾
هؤلاء لا يعرفون قدر هذا الدين، وقد تصدى لهم العلماء وحذروا منهم. من يطعن في آيات الميراث، فقد طعن في الوحي، ومن يفعل ذلك لا يُؤتمن لا على فتوى ولا على علم، بل يجب التحذير منه ومحاسبته.
كلمة أخيرة دكتور علي؟
أدعو الناس لتعلّم فقه المواريث، فهو علم دقيق قائم على العدالة والحكمة، ومن يتأمله يعرف عظمة الشريعة. لا تستمعوا لمن يتكلم دون علم، وتذكروا أن الميراث في الإسلام ليس توزيعًا بشريًا بل تشريع رباني لا يجوز المساس به.
تعليقات
إرسال تعليق