القائمة الرئيسية

الصفحات

وأخيرًا... رسالة لكل يلي عم يصنّعوا نجومية كأنها منتج سوبرماركت


 الكاتب الصحفي عمر ماهر يكتب


في زمن صار كل شي فيه قابل للبيع... صار في شي اسمو "نجومية جاهزة". عبوة مغلّفة، ملمّعة، مروّجة، فيها كل المكوّنات اللازمة لفتّ الأنظار، من فساتين بقصّات غريبة، لتصرّفات مدروسة تنرفز وتستفز، مرورًا بمواقف عم تتفبْرك لتصنع تريند، وأحاديث بتندفع كرمال تنقال وتنتشر. وبهالزمن بالذات، صار لازم نصرخ بصوت عالي:


"يا جماعة... الفن مش سوبرماركت، والنجومية مش منتج استهلاكي!"


وين أيام ما كانت النجمة نجمة لأنو الفن هو يلي وصّلا؟ مش لأنو تيم كتير ذكي قرّر يروّجلا. وين أيام ما كانت الكاميرا بتعشق الموهبة، مش بس الجسم؟ وين أيام ما كانت كلمة "ممثل" بتعني دراسة، موهبة، صقل، تجربة، عمر، وخبرة؟ اليوم، بكبسة زرّ، صار فيك تصنّع نجم. تجيب شخص ناعم، تحطّ عليه شوية ميك أب، كم كورس تمثيل بسرعة، كم مليون على إنستغرام، وخبطة شائعة، وبتكون خلقت "النجمة الجديدة".


بس الحقيقة؟ كل هالشي وهم... فقاعة.


النجومية مش قالب جاهز. مش package عم يتسوّق. مش PR plan. النجومية ما بتنخلق، النجومية بتتكوّن. بتنبنى يوم ورا يوم، بتتربّى، وبتتعلّم، وبتنضج، وبتوقع، وبتقوم، وبتتعب، وبتتمرّد، وبتنكسر، وبتقوم تاني. النجومية الحقيقية بتجي من وجع، من صبر، من سهر، من تمرين، من عشرات الرفض، من آلاف الملاحظات، من شغف ما بينام.


في فرق كبير بين إنّك تكون "معروف"... وبين إنّك تكون "مؤثّر".


اليوم، صرنا نشوف ناس ما إلها ولا عمل مهم، ولا حضور حقيقي، ولا إنجاز واحد محترم، بس شهرتهم بتسبقهم. ليه؟ لأنو صنعوا حوالين نفسهم ضجة، مش قيمة. لأنو اشتغلوا عالشكل، مش عالجوهر. لأنو فهموا السوق، بس ما فهموا الفن.

بس الفن مش سوق... الفن رسالة.

والفنان مش موظّف ترند، الفنان حامل همّ، وناقل شعور، وحافظ ذاكرة. الفنان مش لازم يكون جميل، ولا لازم يكون مشاغب، ولا لازم يكون مستفز. الفنان لازم يكون "صادق". والصّدق هو أندر عملة بهالعصر.


وينكم من هيبة فاتن حمامة؟ من كاريزما أحمد زكي؟ من ثقل سعاد حسني؟ من وقار محمود مرسي؟ من حضور أمينة رزق؟ من عفوية محمود عبد العزيز؟


وينكم من هالناس يلي عملوا فنّهم بالصبر، بالاجتهاد، واشتغلوا عحالن بلا كل هالهوس الإعلامي؟ وينكم من ممثّلين لليوم بس نشوف مشهد إلهم بنوقف، بنعيدو عشر مرّات، ومنقشعر؟ مش لأنو المشهد فيه twist، بس لأنو "هم" فيه.


اليوم، عم نعيش بزمن بيكرّم السرعة، وبيستعجل النجاح، وبيصنّع شهرة من لا شي. بس هالشهرة، كيف بتعيش؟

كيف بتصمد؟ كيف بتواجه مشهد صامت؟ كيف بتقدر تمثّل "وجع أم"، أو "خوف عاشق"، أو "خيبة صديق"، إذا ما عشت؟ إذا كل خبرتك بالحياة هي حفلات وselfies ورحلات؟


النجومية الحقيقية بتخلق من تحت الركام... من تحت الأرض، من العتم، من الفشل.


وإذا كنت نجم سوبرماركت، مغلف، ومنظف، وعم يتسوّق، بكرا بينتهي تاريخ صلاحيتك. وبيجي غيرك، وبتصير "نجم سابق"، وما حدا بيسأل عنك.


رسالة للمنتجين، للمخرجين، للإعلام، للناس...


كفى دعم النجومية المصطنعة. كفى تسويق "نجوم الترند". رجّعوا القيمة للناس يلي عم تشتغل بصمت، يلي بتختار أدوارها، يلي بترفض تعرض حياتها الشخصية على العلن بس لتزيد متابعين. شجعوا نجوم عن جد، مش نجوم صدفة.


ورجّعوا للمشاهد ثقته بالفنان. مش كل مين عندو شهرة صار ممثل. ومش كل مين بيمثّل صار فنان.


الفرق كبير... والوعي واجب. لازم نعلّم الجيل الجديد إنو الفن مش هدفو البوز، بل الروح. مش هدفو الشهرة، بل التأثير. مش هدفو الحكي، بل السكون يلي بيسكن فينا بعد مشهد بيوجع أو بيفرّح.


 ما في شي أغلى من فنان حقيقي، وما في شي أرخص من شهرة بلا قيمة.


الوقت حيطحن الغبرة، والموج رح يمحي كل النقوش الفارغة، بس رح يضل الحفر العميق... حفر الناس يلي عاشوا الفن، وعملوا منو حياة، مش مهنة.


ما بتفكّروا أوقات كيف في وجوه طلعت فجأة عالساحة، ودخلت بيوت العالم، وصار إلها جمهور، وفانز، وجروبات دعم؟ بتسأل حالك: "طيب شو عمل؟ شو قدّم؟ بأي دور أبدع؟ بأي عمل علّق بذاكرتنا؟"


الجواب؟ لا شي... بس ضجيج، وface filters، وستايلات مدروسة عالسوشيال ميديا.


هيدا النجم يلي اليوم متصدّر التريند، إذا حطّيتو بمشهد صامت... بينهار. إذا شلت عنو المكياج، والإضاءة، والموسيقى، والمنظّر، بيتعرّى. لأنو ما عندو لا عدسة داخلية، ولا إحساس صادق، ولا لغة جسد حقيقية. متل علبة فاضية، كبيرة، ملوّنة، بس فاضية.


والمصيبة؟ إنو في ناس عم تستهلك هالعلب...


في ناس صدّقت إنو الترند دليل موهبة. إنو التصدر يعني استحقاق. إنو الضحك المصطنع، والبوز المفتعل، هني معيار القبول الجماهيري. بس الحقيقة، وبكل صراحة:


الناس تعبت... زهقت... شبعت من الكذب.


العالم بقلوبها، مش بس بعينها. والمشاهد، لو خانتو لحظة، بيرجع بيفرز الغثّ من السمين. بيرجع بيقول: "وين النجوم الحقيقيين؟ ليه مش عم نشوف وجّوهن؟ ليه كل شي عم يركّز على الصوت العالي، وعلى المظهر، وعلى الـ marketing؟"

والمشكلة الأكبر؟ إنو حتى بعض المخرجين صاروا بدّن الready-made stars.


ما بقى بدّن يتعبوا بتكوين ممثل. بدّن شي يبيع. ممثل عندو followers، بيعرف يعمل إعلان، وبيعرف يجذب sponsors. بس التمثيل؟ صار تفصيل. صار شي ثانوي. صار لازم يتعلّم بسرعة، وبالتمرين، مش بالشغف.


بس الفن، يا جماعة، ما بيتعلّم بورشة سريعة. الفن بيتشكّل بالدم.


الفن الحقيقي ما بينولد ببرنامج. بينولد من الوجع، من التجربة، من الفقر أحيانًا، من الغربة، من الحرمان، من الفقد، من كل شي خلّانا نحسّ، ونبكي، ونتأمل. الممثل يلي بيمرّق بحياتو، هيدا الممثل يلي بيقدر يوصللك إحساس ما بينوصف.


بتعرف شو الفرق بين ممثل صادق، وممثل مزيف؟


المزيف بيمثل... الصادق بيعيش. الصادق بيصير هو الدور. بيختفي، بيذوب، بيتقمّص، بينصهر، وبينولد من جديد كل مرة. بينما المزيف... بتضلّك شايفو. بتضلّك تقول: "آه هيدا فلان، شو حلو اللوك!" بس ما بتحسّ.

وين أيام لما كانت الناس تسهَر تستنى مشهد لسناء جميل؟ أو تنهّد لمجرد ما يظهر أحمد زكي؟ أو تقشعرّ كلّك بس تشوف لبني عبد العزيز عم تحكي بلا كلمة؟


هولي الناس ما كانوا نجوم سوبرماركت. هولي ناس نحتوا حضورُن بعرق جبينُن، بدمعة تعب، بشهقة مشاعر. نجوم من طينة الأرض، من وجع الشارع، من صمت الليل.


اليوم؟ صار فيك تشتري الشهرة... بس ما فيك تشتري القيمة.


فيك تدفع لتطلع تريند، بس ما فيك تدفع لتصير محفور بوجدان الناس. فيك تركّب جيش إلكتروني، بس ما فيك تركّب لحظة تمثيل بتقشعرّك. هيدي بتجي من القلب... من جوّا، مش من برا.


رسالة تانية للناس يلي بعدها بتآمن بالفنّ الحقيقي: ما تخافوا... لسا في نجوم من ذهب.


لسّا في وجوه نضيفة، حقيقية، راقية. ناس عم تشتغل بصمت، عم ترفض تساير، وعم تركّب حالها طوبة ورا طوبة. منن المبدعين يلي إذا مشي على الشاشة، بيخلق هالة... متل نجوم كتير بس للأسف ما بياخدوا نفس الضوء، لأنن مش "منتجات"، هنّي "جواهر".


وأنتو يا فنانين حقيقيين؟ لا تيأسوا. صوتكن عم يوصل. ببطء، آه، بس عم يوصل.


لأنو الفن الحقيقي متل الميّ... لو سكّرت عليه، رح يخرق، رح يطلع، رح يروّي التراب. والناس الحقيقية، عم ترجع تدوّر على الميّ النقيّة، بعد ما شربت كتير سموم ملوّنة.


فكروها منيح: بدكن تكونوا سلعة؟ ولا بصمة؟ بدكن تكونوا فقرة بتريند... ولا سطر بكتاب الفن؟


والتاريخ؟ ما بيكتب إلّا للناس يلي تركت أثر... مش أثر ضوئي، بل أثر وجداني. والناس؟ ما بتتذكّر مين طلع الأول بالتريند... بتتذكّر مين بكّاها، مين علّمها، مين لمسها بلا ما يلمسها.


بدنا نحكي بصراحة... مش بس على الممثلين أو يلي طامحين يصيروا نجوم، بل كمان على الصحافة، على الإعلام، على كل منصة عم تشتغل تسويق بدل ما تشتغل تنوير. على كل منبر نسي إنو رسالته مش بس ينقل الحدث، بل يفلتره، يحمّله قيمة، يعطيه ميزان.


اليوم؟ أي حدا عمل تصريح سخيف صار عندو لقاء، أي شخص لبس شي غريب صار ترند، أي موقف مصطنع صار عنوان.

وين راحت المعايير؟ وين راحت المقابلات يلي بتحفر؟ الحوارات يلي بتعري الموهبة، بتكشف العمق، وبتحاور الإبداع؟ اليوم المقابلات صارت استعراض، مش تحفيز. أسئلة سريعة، إجابات مبتذلة، وهدف واحد: "نحصل على click."


طيب وبعد؟ شو استفاد المشاهد؟ شو تعلّم؟ شو لمس؟ شو تغير فيه؟

لما الصحافة بتصير أداة دعم للتفاهة، بتكون عم ترتكب جريمة أخلاقية وفنية. لأنو مش دورها تبجّل الشهرة، بل تكشف المعنى. مش دورها تمجّد الضجيج، بل تفتح مجال للصوت الهادئ ليُسمَع. الصحافة مش "مسرح التصفير"، هي مختبر الوعي.


والمشاهد؟ ما فينا نلومه كتير...

هو ضحية إغراق، غرقان بمنصات عم تتنافس عالصراخ، مش عالإبداع. منصات عم تسوّق للغريب، للنشاز، وللي بيكسر الذوق، كرمال "أرقام". بس بعمق قلبه، المشاهد عارف... ومرّات كتير بيفلّ من الشاشة، مش لأنو ما بدو يتابع، بس لأنو ما عم يلاقي حاله بشي.


ما عم يلاقي وجه بيشبهه، وجع بيشبهه، صراع بيشبهه، ضحكة صافية، دمعة حقيقية.

صار يدوّر عالماضي، على فيديوهات أبيض وأسود، على مشاهد من أرشيف عزيز، على أعمال من زمن كان فيه للدمعة معنى، وللنظرة وزن. بيحنّ مش لأنو الزمن كان حلو أكتر، بل لأنو الصدق كان سيّد الموقف.


وصدقوني... الصدق ما بيموت.

بزمن السرعة، الصدق هو البطء الجميل. هو المشهد الطويل، يلي بيترك أثر أعمق من ألف مونتاج سريع. الصدق هو اللمعة بعين ممثل عم يختنق، الصوت المرتجف، النفس المقطوع، العرق على الجبين... هولي كلن، ما في تريند بيقدر يجيبُن.


وبالتالي، لكل يلي بعدن عم يشتغلوا بضمير، بهالوسط الفني الغارق بالتسليع: ما تخافوا. إنتو الأمل.

إنتو النسمة الصافية بعجقة المراوح الكهربائية. إنتو الجذور بهالحديقة الاصطناعية. إنتو وجّ الفن، مش وجه الإعلان. ولما بيتقاطع دربكن مع درب مشاهد واعي، بصير في كهربا. بصير في إيمان جديد. بصير في صرخة: "آه، في بعد فن حقيقي!"


وأنتو يا يلي عم تركّبوا نجومية متل عبوة شامبو: فكّروا شوي...

ما في شي أقسى من لحظة ينكشف فيا الغلاف، ويضيع جوّاه الفراغ. ما في شي أوجع من نجم عم يتراجع، وما يعرف ليه، لأنو أساسًا ما بنى حالو. لأنو ما في أساس. لأنو النجومية كانت صورة، مش مسيرة.


فن الوجوه ما بينبنى بلعبة مرايا.

النجم الحقيقي، هو يلي لمّا يغيب... الناس تشتاقله. لمّا يسكت... الناس تسأل عنه. لمّا يعتزل... الفن يخسر. مش بس جمهور، يخسر معنى. لأنو كان حامل قيمة، حامل ذوق، حامل حلم. ومش لأنو حطّ story كل يوم.


وأخيرًا، للمرة الأخيرة...

النجومية مش package. مش اسم بيلمع. النجومية روح. وهالروح ما بتنوجد بالسوشيال ميديا... بتنوجد بالصدق، بالشغف، بالإصرار، وبالحرص على احترام عقل وقلب الجمهور.

فاحترموا الفن... واحترموا حالكن، قبل ما تصنعوا "نجم" بينولد بليل، وبيموت قبل الصبح.

تعليقات