القائمة الرئيسية

الصفحات

التَّفاؤلُ بُوصَلَةُ الأَمَانِ
بقلم: فُؤَاد زَادِيكِي

فِي دُنْيَا الحَيَاةِ المُتَقَلِّبَةِ، وَ المَلِيئَةِ بِالمُفَاجَآتِ وَ التَّطَوُّرَاتِ المُتَسَارِعَةِ، يَعِيشُ الإِنْسَانُ عَلَى وَقْعِ أَحْدَاثٍ تُشْبِهُ الأَعَاصِيرَ، تَقْلِبُ مَوَازِينَ القُوَى الفِكْرِيَّةِ، وَ تُرْبِكُ العُقُولَ وَ تَسْتَنْفِدُ الطَّاقَاتِ. وَ فِي وَسَطِ هٰذَا اليَمِّ الجَارِفِ، لَا بُدَّ لَنَا مِنْ أَنْ نَتَسَلَّحَ بِالصَّبْرِ، وَ أَلَّا نَفْقِدَ الأَمَلَ، فَهٰذَا هُوَ الوَقُودُ، الَّذِي يُبْقِينَا عَلَى قَيْدِ الحَيَاةِ.

وَ يَبْدُو التَّفَاؤُلُ هُوَ البُوصَلَةَ الحَقِيقِيَّةَ، الَّتِي تَرُدُّنَا إِلَى التَّمَسُّكِ بِهٰذِهِ الحَيَاةِ، دُونَ أَنْ نَتَخَلَّى عَنْ إِيمَانِنَا بِأَنَّ عَجَلَةَ الزَّمَنِ تَمْضِي إِلَى الأَمَامِ، وَ لَيْسَ لَهَا مِنْ رَجْعَةٍ إِلَى الوَرَاءِ. فَكُلَّمَا ضَاقَتِ الدُّنْيَا عَلَيْنَا، وَ اسْتَحْكَمَتْ حُلْقَتُهَا، كَانَ الأَمَلُ فُسْحَةً، وَ التَّفَاؤُلُ طَوْقَ نَجَاةٍ.
إِنَّ التَّفَاؤُلَ لَيْسَ مُجَرَّدَ شُعُورٍ عَابِرٍ أَوْ تَرَفٍ نَفْسِيٍّ نَلْتَجِئُ إِلَيْهِ عِنْدَ الضِّيقِ، بَلْ هُوَ قَرَارٌ نَتَّخِذُهُ، وَ مَنْهَجٌ نَسْلُكُهُ فِي التَّعَاطِي مَعَ تَقَلُّبَاتِ الأَيَّامِ. فَالَّذِي يَخْتَارُ التَّفَاؤُلَ يَخْتَارُ الحَيَاةَ، وَ الَّذِي يُصِرُّ عَلَى التَّشَاؤُمِ يُفَوِّتُ عَلَى نَفْسِهِ فُرَصَ النُّهُوضِ وَ البِنَاءِ.

كَمْ مِنْ أُنَاسٍ سَقَطُوا فِي مَهَاوِي الفَقْرِ وَ اليَأْسِ، فَلَمَّا تَمَسَّكُوا بِالتَّفَاؤُلِ، عَادُوا أَقْوَى وَ أَنْجَحَ. فَالتَّفَاؤُلُ يُثَبِّتُ القَدَمَ، وَ يُقَوِّي العَزِيمَةَ، وَ يَنْفُخُ فِي الرُّوحِ نَسَمَاتِ الحَيَاةِ.

الحَيَاةُ لَا تَسِيرُ عَلَى نَهْجٍ وَاحِدٍ، فَفِي طَيَّاتِ كُلِّ مِحْنَةٍ مِنْحَةٌ، وَ فِي كُلِّ أَزْمَةٍ دَرْسٌ، وَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ دَامِسَةٍ يَتَخَفَّى صُبْحٌ مُبَشِّرٌ. لِنَكُنْ وَاعِينَ أَنَّ السُّقُوطَ لَيْسَ نِهَايَةَ المَطَافِ، وَ أَنَّ الأَمَلَ لا يَزُولُ مَا دُمْنَا نُؤْمِنُ بِالغَدِ.

وَ كَفَى بِالتَّفَاؤُلِ دَلِيلًا فِي الطَّرِيقِ، يُرْشِدُنَا فِي عَتْمَةِ الأَيَّامِ، وَ يَأْخُذُ بِأَيْدِينَا إِلَى الآفَاقِ الرَّحْبَةِ. فَلْنَجْعَلْهُ نُورًا فِي قُلُوبِنَا، وَ إِيمَانًا فِي عُقُولِنَا، وَ حَيَاةً فِي خُطَانَا.

فَتَفَاءَلُوا... فَإِنَّ فِي التَّفَاؤُلِ نَجَاةً وَ رِزْقًا وَ أَمَانًا.

تعليقات