في ركن معتم من هذا العالم الصاخب هناك امرأة تجلس وحدها تضم روحها المرتجفة بين ذراعيها تحاول أن تلملم ما تبقى منها بعد حرب لم تختر أن تخوضها ربما كانت حرب الحب أو الأمومة أو البقاء لكن في النهاية كلها حروب تستنزفها في صمت ولا أحد يرى آثار الرصاص في قلبها
هناك امرأة أخرى على رصيف مدينة باردة تحدق في الفراغ عيناها تحكيان حكاية عمر مضى في الانتظار في التضحية في الابتلاع المستمر للخذلان حتى باتت روحها تشبه صفحة ممزقة في كتاب قديم مر عليه الجميع ولم يقرأه أحد
وفي زاوية أخرى هناك أم تنظر إلى يديها الخاليتين بعد أن ودعت أبناءها الذين كبروا ورحلوا وقد ظلت هي تحمل ظلهم في قلبها كمن يحمل جرحا لا يندمل كان صدرها يوما وطنا لهم لكنها الآن غريبة في حياتهم كما لو أنها مجرد فصل في قصتهم انتهى ولم يعد أحد يعود لقراءته
وفي غرفة صغيرة هناك فتاة تنظر إلى وجهها في المرآة تعيد رسم ملامحها تخفي شحوب الأيام التي سرقت منها طفولتها وتحاول أن تقنع نفسها بأنها جميلة بما يكفي قوية بما يكفي رغم أن كل شيء حولها يصرخ بأنها لا تكفي
إلى كل امرأة تبتسم رغم أن داخلها يبكي إلى كل من تخلت عن أحلامها من أجل غيرها إلى التي لم تجد كتفا تبكي عليه فصارت تمسح دموعها بيدها إلى التي حاربت ولم ينتبه أحد إلى نزيفها وإلى التي وقفت وحيدة في عاصفة لم ترحمها أقول لك أنت أعظم مما يظن العالم أعمق مما تعكسه المرآة وأقوى مما تتخيلين
كل عام وأنت لست مجرد امرأة بل معجزة تمشي على الأرض تنزف نورا وتبعث الحياة حيث تمر
تعليقات
إرسال تعليق