القائمة الرئيسية

الصفحات

من سلسلة : " ليالي العودة " 

حلقة اليوم : المرأة التي كانت تشعل المصباح

في زاوية بيت قديم يقع عند أطراف المدينة كانت تعيش جدة عجوز تدعى أم ياسين كان بيتها بسيطا لكنه كان مليئا بالدفء كل ليلة من ليالي رمضان كانت تجلس بجانب المصباح الزيتي الذي تحتفظ به منذ سنوات طويلة وتبدأ في سرد الحكايات لأحفادها الذين يحيطون بها بعيون متلهفة

كانوا يحبون صوتها العذب وطريقة حديثها التي تأخذهم إلى عالم آخر عالم مليء بالحكمة والإيمان كانت الحكايات تمتزج بروح رمضان بالضياء الذي يملأ القلوب وبالرائحة الزكية التي تنتشر من موقدها الصغير حيث تطهو حساء العدس الساخن

لكن الزمن مضى وتفرق الأحفاد كبروا وانشغلوا بحياتهم الخاصة وبقيت أم ياسين وحيدة في بيتها لم يعد أحد يجلس حولها كما كان من قبل ولم تعد تسمع ضحكات الصغار تملأ المكان

في إحدى ليالي رمضان جلست أم ياسين بجوار المصباح القديم تأمله طويلا كان الضوء الخافت يرقص على الجدران كأنه يروي لها قصصا من الماضي أغمضت عينيها وعادت بذاكرتها إلى تلك الليالي الجميلة عندما كان أطفالها وأحفادها يلتفون حولها
تذكرت كيف كانت تحكي لهم عن ليلة القدر عن النبي صلى الله عليه وسلم عن القصص التي تعلمهم الصبر والكرم والتقوى تذكرت كيف كانت تشعل المصباح كل ليلة وكأنها تشعل قلوبهم بنور الإيمان

تنهدت بحزن ومسحت دمعة سالت على خدها كانت تعلم أن الزمن لا يعود لكنها كانت تتمنى لو أن أحدهم يطرق الباب لو أن أحدهم يتذكر حكاياتها

وفي تلك الليلة بينما كانت جالسة وحدها سمعت طرقا خفيفا على الباب نهضت ببطء وفتحته فإذا بها تجد حفيدها الصغير ياسين يقف هناك يحمل بيده فانوسا صغيرا ويبتسم لها

قال بصوت خجول جدتي اشتقت لحكاياتك هل يمكنني الجلوس معك الليلة

امتلأت عيناها بالدموع لكنها هذه المرة كانت دموع فرح أدخلته وجلست بجانبه أشعلت المصباح كما كانت تفعل دائما وبدأت تحكي له قصة عن نور الإيمان عن أن القلب الذي يضيئه حب الله لا يمكن أن يظل وحيدا

في تلك الليلة عاد الدفء إلى قلب أم ياسين وعاد النور يملأ بيتها من جديد ليس فقط نور المصباح ولكن نور الحب الذي لا يختفي أبدا مهما مر الزمن

الكاتب : إدريس أبورزق

تعليقات