الحلقة الخامسة : الحقيقة التي هربت منا
في صباحٍ كئيب، جلست "سارة" على مكتبها في مكتبة المدينة القديمة، محاطةً بكتب قديمة وصفحات مليئة بالأسرار التي طالما أثارت فضولها. كانت تتصفح كتابًا قديمًا عن الفلسفة والأخلاقيات، ووسط السطور المكتوبة بخط يدٍ قديم، برزت أمامها جملة أضاءت عقلها: "الحقيقة هي أول ضحايا الأكاذيب."
شعرت بشيء من التوتر يتسرب إلى أعماقها. في عالمها الذي تهيمن عليه الأكاذيب والتناقضات، كانت الحقيقة دائمًا شيئًا هاربًا، لا يمكن القبض عليه بسهولة. هي كصحفية، درست المواقف واختبرت ما وراء الكلمات، لكنها بدأت تشك في أنها كانت تلاحق ظلًّا أكثر من كونها تبحث عن شيء حقيقي.
بينما كانت غارقة في تفكيرها، دخل "مروان"، المحامي ذو اللسان الفصيح، إلى المكتبة. كان يحمل ملفًا ضخمًا تحت ذراعه. قرأت ملامح وجهه قبل أن يتكلم، وكأن شيئًا ما كان يثقل قلبه.
"سارة، هل تبحثين عن الحقيقة مرة أخرى؟" قال وهو يضع الملف على الطاولة بجانبها، مبتسمًا ابتسامة تعرفها جيدًا.
"أنت تعلم أنني لا أبحث عن الحقيقة فقط. أبحث عن سلام داخلي، عن شيء يجعلني أفهم كل هذه الأكاذيب التي تحيط بنا." ردّت سارة بنبرة هادئة، لكن في عينيها كان هناك قلق غريب.
"أحيانًا، الأفضل أن نغض الطرف عن الحقيقة، لا لأنه لا يمكننا تحملها، ولكن لأننا نحتاج إلى المضي قدمًا." قال مروان، ثم جلس أمامها. التقت عيونهما في صمت طويل.
كان "مروان" شخصًا بارعًا في استخدام الأكاذيب. في كل قضية يتعامل معها، كان يوازن بين الحقيقة والخيال، يعرف متى يجب أن يخفي جزءًا من الحقيقة ليحصل على حكم لصالح موكليه. الكذب كان جزءًا من عمله، لكنه لم يكن يعترف بذلك علنًا، كان يراه مجرد "استراتيجية".
أما سارة، فكانت تختلف عنه. ورغم أنها عملت في الإعلام، ورأت العالم مليئًا بالتضليل والمعلومات المغلوطة، فإنها كانت تؤمن أن الكشف عن الحقيقة هو السبيل الوحيد للسلام. لكن مع مرور الوقت، بدأت تشك في قدرتها على التفريق بين الحقيقة والكذب. هل كانت هي أيضًا جزءًا من هذه اللعبة؟ هل كانت الأكاذيب التي تبثها وسائل الإعلام تشبه الأكاذيب التي يستخدمها الأفراد لحماية أنفسهم؟
في ذلك اليوم، أخبرها مروان عن قضية كبيرة كان يعمل عليها: قضية فساد في أعلى مراتب الشركات الكبرى. كان يمتلك معلومات قد تؤدي إلى سقوط أشخاص لهم نفوذ كبير، لكنه قال شيئًا جعل قلب سارة يتوقف:
اقرا ايضابسبب تسمية محطة القطار الكهربائى غرب قنا بمحطة دشنا غضب لاهالى الوقف ومناشدات للفريق كامل الوزير
اقرا ايضا شخصية اليوم هى الصحابيه الجليله
"سارة، هل تعتقدين أن الحقيقة تستحق كل هذا العناء؟ ماذا لو كانت الأكاذيب أسهل؟ ماذا لو كانت الحقيقة مجرد عبء علينا؟"
فيما بعد، التقت سارة بـ "رامي"، شخص كان يعاني من مشاعر متناقضة. رامي كان يحاول الوصول إلى الحقيقة عن طريق تحدي كل من حوله، كان متمردًا، يعتقد أن الأكاذيب هي قيد يقيده، ويجب أن يُفضح كل شيء. لكنه مع مرور الوقت اكتشف أنه كلما اقترب من الحقيقة، ازدادت تعقيداتها، وكلما كشف المزيد، ظهرت أسئلة جديدة.
"أريد أن أعرف الحقيقة، مهما كانت مؤلمة!" قال رامي بلهجة حادة، وهو يواجه سارة التي كانت تراقب بحذر.
"هل أنت متأكد؟" قالت سارة، وقد بدت تعبيراتها مشوبة بالحيرة. "ماذا لو كانت الحقيقة ستدمرك؟ ماذا لو كانت الأسئلة التي تطرحها ستعني أنه لا يوجد حل؟"
كان رامي ينظر إليها بنظرة غاضبة، لكنه لم يرد. كان يعرف أن الحقيقة في نظره هي النور، وأنها لا بد أن تُكشف، مهما كانت العواقب.
لكن سارة بدأت ترى أن السعي وراء الحقيقة كان يخلق مزيدًا من الظلال. لماذا تبدو الحقيقة غامضة دائمًا؟ هل هناك حقيقة واحدة فقط؟ أم أن لكل شخص رؤيته الخاصة؟ هل يمكن أن يكون الكذب أحيانًا حماية للنفس؟ هل يمكن أن نختار السكوت بدلًا من أن نعلم كل شيء؟
في تلك اللحظة، تغيرت سارة بشكلٍ مفاجئ. بدأت تفهم شيئًا مهمًا، بدأ يطرق باب قلبها بشدة: هل يُفضل الإنسان الكذب أحيانًا للحفاظ على سلامه؟
في مشهد غريب، وجدت نفسها في مواجهة مروان مرة أخرى. لكنه هذه المرة كان مختلفًا. كانت القضية قد وصلَت إلى نقطة حرجة. إذا كشفوا الحقيقة، فإن النظام الذي يعرفه الجميع سينهار. الحقيقة لم تكن في صالح أحد.
"سارة، أعتقد أنه حان الوقت لتختاري. هل ستساعدينني في نشر الحقيقة، رغم أننا نعلم تمامًا ما سيحدث؟" قال مروان بنبرة تشوبها الحيرة.
لكن سارة لم تكن كما كانت من قبل. هناك شيء في قلبها بدأ يتحول. الحقيقة أصبحت عبئًا ثقيلًا، لم تعد تشعر بأنها قادرة على تحمله.
"أعتقد أنني لا أريد أن أعرف أكثر. أعتقد أن الحقيقة ليست دائمًا ما نحتاج إليه." قالت سارة بصوت خافت، كأنها تكاد تهمس لنفسها.
في النهاية، اختار الجميع الطريق الذي يراه الأنسب. سارة قررت أن تتخلى عن البحث المستمر عن الحقيقة. مروان، رغم أنه كان يتظاهر بالقوة، أدرك في النهاية أن الأكاذيب كانت أفضل وسيلة للحفاظ على السلام الداخلي. أما رامي، فقد غرق أكثر في السؤال، لكنه لم يصل إلى إجابة.
كان كل واحد منهم يعتقد أنه يعيش في عالم من الأكاذيب أو الحقيقة، لكنهم جميعًا اكتشفوا شيئًا واحدًا: في بعض الأحيان، الحقيقة التي نهرب منها هي في الواقع أكذوبة نحتاجها للبقاء على قيد الحياة.
في حياتنا، لا يمكننا الهروب من الأكاذيب، ولا يمكننا دائمًا الوصول إلى الحقيقة. أحيانًا يكون الكذب وسيلة للبقاء على قيد الحياة، وحقيقة مؤلمة قد تكون أحيانًا أسوأ من الوهم. نحن نبحث عن الإجابات، ولكن في النهاية نجد أن الأسئلة هي التي تبقينا أحياء.
تعليقات
إرسال تعليق