القائمة الرئيسية

الصفحات

بَحْثٌ عَنِ الأَمَانِ

بقلمِ فُؤاد زاديكى

في زِحامِ الحياةِ وَ تَقَلُّباتِ الدَّهْرِ، يَبْحَثُ الإِنْسانُ عَن وَاحةِ أَمَانٍ يَرْتَاحُ فِيها مِنْ عَناءِ الأَيَّامِ وَ مَتاعِبِ الزَّمَنِ. وَ كَمْ هُوَ جَميلٌ أَنْ يَجِدَ المَرْءُ مَلاذًا لِقَلْبِهِ وَ سَكِينَةً لِنَفْسِهِ، فَيَتَّخِذَ لَهُ عُشًّا دَافِئًا مِنَ الحُبِّ، يَحْمِيهِ مِنْ بَرْدِ الوَحْشَةِ وَ قَسْوَةِ الغُرْبَةِ.
إِنَّ القَلْبَ الَّذِي يَنْبُضُ بِالمَحَبَّةِ وَ يَتَغَذَّى عَلَى العَطَاءِ هُوَ قَلْبٌ يَسْكُنُهُ السَّلَامُ وَ يَتَحَرَّرُ مِنْ سَلاسِلِ الكُرْهِ وَ الحِقْدِ. فَاجْعَلْ لِقَلْبِكَ عُشًّا مِنْ الوِدَادِ، وَ زَيِّنْهُ بِأَغْصَانِ الوَفَاءِ، وَ سَتَجِدُهُ مَلاذًا يَأْوِي إِلَيْهِ كُلُّ مَنْ أَضْنَتْهُ الآلَامُ وَ أَحْرَقَتْهُ الأَيَّامُ.

وَ كَذَلِكَ النَّفْسُ، فَإِنَّهَا تَتُوقُ إِلَى شَاطِئِ أَمَانٍ يَنْجُو بِهَا مِنْ أَمْوَاجِ القَلَقِ وَ عَوَاصِفِ التَّوَتُّرِ. وَ لا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بِالإِيمَانِ بِالقَدَرِ، وَ الرِّضَا بِالقَسْمَةِ، وَ التَّحَلِّي بِالصَّبْرِ وَ الحِلْمِ. فَكَمْ مِنْ نَاسٍ أُرْهِقَتْ أَرْوَاحُهُمْ لِأَنَّهُمْ أَسْكَنُوا أَنْفُسَهُمْ فِي بُحُورِ التَّشَاؤُمِ وَ الخَوْفِ!

إِنَّ الحَياةَ مَلِيئَةٌ بِالتَّجَارِبِ وَ المِحَنِ، وَ لَكِنَّ القَلْبَ المُطْمَئِنَّ وَ النَّفْسَ المُسْتَقِرَّةَ هُمَا مِفْتاحُ السَّعَادَةِ وَ الرَّاحَةِ. فَلا تَجْعَلْ هُمُومَ الأَمْسِ تَسْرِقُ مِنْكَ فَرَحَ الحَاضِرِ، وَ لا تَسْمَحْ لِلأَلَمِ أَنْ يَسْتَوْطِنَ دَاخِلَكَ، فَإِنَّ القَلْبَ المُتَحَرِّرَ مِنْ الحِقْدِ، وَ العَقْلَ المُتَصَالِحَ مَعَ الذَّاتِ، وَ النَّفْسَ الرَّاضِيَةَ، كُلُّهَا تَجْعَلُكَ تَعِيشُ بِأَمَانٍ وَ سَعَادَةٍ.

اِبْنِ لِنَفْسِكَ شَاطِئًا تُلْقِي فِيهِ أَحْمَالَكَ، وَ زَيِّنْ قَلْبَكَ بِحُبٍّ صَادِقٍ يَكُونُ لَكَ دِرْعًا وَ حِصْنًا. وَ تَذَكَّرْ دَائِمًا أَنَّ الحَياةَ أَقْصَرُ مِنْ أَنْ نُضِيعَهَا فِي الأَلَمِ وَ الأَحْزَانِ.

المانيا في ١٦ شباط ٢٠٢٥

تعليقات