الحلقة التاسعة : الزائر في أحلامي
كانت ليلى تعيش حياتها بهدوء بين عملها كمعلمة في مدرسة صغيرة وشقتها المليئة بالكتب والنباتات. لا شيء غير عادي، حتى بدأت سلسلة من الأحلام الغريبة تقتحم لياليها.
كانت ترى شخصًا غريبًا، رجلًا يبدو مألوفًا بطريقة لا يمكن تفسيرها. في كل حلم، كان يقف على بعد خطوات منها، دائمًا في أماكن مختلفة: محطة قطار قديمة، شارع تحت المطر، أو مكتبة مهجورة. كان ينظر إليها نظرات عميقة وكأنه يعرفها، لكنه لا يقول شيئًا.
في البداية، تجاهلت الأمر واعتبرته مجرد صدفة، لكن تكرار الأحلام جعلها قلقة. في كل مرة، كانت الأحلام تبدو أكثر واقعية، حتى أنها أصبحت تشعر ببرودة المطر أو رائحة الكتب المتربة من المكتبة. الأغرب أن الرجل كان يبدو حقيقيًا بشكل مخيف، بعينين داكنتين ووجه يحمل حزنًا غامضًا.
ذات ليلة، حاولت أن تسأله من يكون. اقتربت منه في الحلم وقالت:
"من أنت؟ ولماذا أراك دائمًا؟"
ابتسم الرجل ابتسامة خفيفة وقال:
"قريبًا ستعرفين."
استيقظت ليلى فزعة في تلك الليلة، لكنها لم تستطع التخلص من شعورها بأن هناك شيئًا غير عادي يحدث. بدأت تبحث في كتب تفسير الأحلام وتقرأ عن الرموز والرسائل، لكن كل الإجابات بدت فارغة وغير مقنعة.
في يوم من الأيام، وبينما كانت تتجول في أحد المعارض الفنية الصغيرة، توقفت فجأة عند لوحة معلقة على الحائط. شعرت بقشعريرة تسري في جسدها. كانت اللوحة تجسد مشهدًا مألوفًا لها: شارع قديم تحت المطر، ورجل يقف في زاوية الطريق. كان هو، الشخص من أحلامها.
شعرت أن أنفاسها تنقطع، وسألت صاحب المعرض عن اللوحة. أخبرها أنها من أعمال فنان شاب يُدعى "عمر"، وأنه سيأتي إلى المعرض في وقت لاحق من اليوم.
قررت ليلى الانتظار، على أمل أن تلتقي بصاحب اللوحة. وبعد ساعات من القلق والانتظار، دخل المعرض شخص طويل القامة بملامح هادئة. كان هو. الرجل من أحلامها.
شعرت ليلى بالذهول، ولم تستطع أن تنطق بكلمة. لاحظ الرجل نظراتها المرتبكة واقترب منها:
"هل نحن نعرف بعضنا؟" سألها بهدوء.
تلعثمت ليلى قبل أن تقول:
"أنا... أراك في أحلامي."
تفاجأ عمر بكلامها، لكنه لم يبدُ مستغربًا تمامًا. قال بصوت منخفض:
"وأنا أيضًا أراك. منذ أشهر، كنت تظهرين في أحلامي. في البداية ظننت أنها مجرد أوهام، لكن مع مرور الوقت، أدركت أن هناك شيئًا يجمعنا."
جلسا في زاوية من المعرض، يتحدثان عن التفاصيل التي رآها كل منهما في أحلامه. اكتشفا أنهما كانا يحلمان بالأماكن نفسها، وكأنهما كانا يلتقيان في عالم موازٍ. كل التفاصيل تطابقت، حتى الأشياء الصغيرة: لون السماء في الحلم، الأضواء الخافتة في الشارع، وحتى العبارات التي تبادلاها.
بدأت علاقتهما تتطور بشكل غريب. كل لقاء بينهما في الواقع كان يُكمل حلمًا ناقصًا، وكل حلم كان يُرشدهما إلى خطوة جديدة في حياتهما. لكن مع مرور الوقت، بدأت الأحلام تحمل رسائل غامضة ومقلقة.
ذات ليلة، حلمت ليلى بأنها تقف في غرفة مظلمة، بينما يقول لها عمر:
"سيأتي يوم تختارين فيه بين البقاء أو الرحيل. لكن تذكري أن كل شيء يبدأ وينتهي هنا."
عندما استيقظت، شعرت بخوف لم تفهم مصدره. لاحظت أن عمر أيضًا أصبح أكثر انطواءً، وكأنه يحمل سرًا لا يريد البوح به.
في لقاء أخير بينهما، تحدث عمر بصوت متهدج:
"أشعر أننا لسنا هنا بالصدفة. هناك شيء أكبر منا. أحلامنا ليست أحلامًا عادية، إنها بوابة لشيء آخر... لكني أخشى أن نكتشفه."
لم تكن ليلى تعرف ماذا يعني ذلك، لكن الشعور بارتباطهما العميق كان أقوى من أن يتم تجاهله. وفي تلك الليلة، عندما نامت، كان الحلم مختلفًا.
رأت نفسها تقف أمام باب خشبي كبير، وخلفه عمر ينتظرها. كان يناديها بصوت غريب يشبه صدى الريح. وعندما فتحت الباب، شعرت بأنها تُسحب إلى عالم آخر، إلى ظلام عميق مليء بالأسرار.
تعليقات
إرسال تعليق