الحلقة الأخيرة : النهاية التي ليست نهاية
كان سامر يجلس على مكتبه في ليلة عادية، يراجع بعض الأوراق. الساعة على الحائط تشير إلى 11:58 مساءً، والهدوء يلف المكان. لا شيء مختلف في هذه الليلة، سوى شعور طفيف بعدم الارتياح، وكأن شيئًا غير مرئي يحوم في الهواء.
مع اقتراب عقارب الساعة من منتصف الليل، بدأ يشعر بثقل غريب في جسده، وكأن الزمن نفسه يتباطأ. حاول أن ينهض من كرسيه، لكنه لم يستطع. كل شيء حوله بدا وكأنه يتوقف تدريجيًا: عقارب الساعة توقفت، الصوت الوحيد الذي كان يسمعه هو دقات قلبه.
في تلك اللحظة، تحول كل شيء إلى فراغ. لم يكن هناك مكتب، ولا غرفة، ولا ساعة. فقط هو، في مساحة بيضاء شاسعة تمتد إلى ما لا نهاية، بلا جدران، بلا أرض، بلا سماء. حاول أن يتحدث، لكن صوته لم يخرج. شعر وكأن العالم بأسره قد تلاشى، تاركًا إياه وحيدًا في هذا الحاضر الأبدي.
بينما كان يحاول استيعاب ما يحدث، ظهر أمامه شخص يشبهه تمامًا، لكنه بدا أكبر سنًا، بعينين متعبتين تحملان حكمة وندمًا غامضًا. تحدث الرجل بصوت منخفض، لكنه اخترق الفراغ من حولهما:
"مرحبًا، سامر."
تجمد سامر في مكانه، وحاول التحدث لكنه شعر بأن الكلمات تُسحب منه قبل أن ينطق بها. أكمل الشخص الغريب الحديث:
"لا تحاول أن تفهم الآن. كل شيء توقف، لأنك وصلت إلى اللحظة التي تحتاج فيها لإعادة النظر في كل شيء."
بدا سامر مذهولًا، لكن الكلمات أثارت بداخله شعورًا غامضًا، وكأنه يعرف هذا الشخص لكنه لا يستطيع تذكره. تابع الغريب:
"أنت الآن عالق بين البداية والنهاية. هنا لا ماضٍ ولا مستقبل، فقط الحاضر. وهذا الحاضر يحمل كل الإجابات التي كنت تهرب منها."
مع تلك الكلمات، بدأت ذكريات سامر تلمع أمامه، لكنها لم تكن مجرد ذكريات عادية. رأى نفسه في لحظات مهمة من حياته، لكنه بدا كأنه يشاهد شخصًا آخر، شخصًا يتخذ قرارات لم يكن راضيًا عنها.
رأى لحظة خيانة صديق قديم، حين تجاهل سامر استغاثته. رأى اللحظة التي اختار فيها المال على حساب أخيه. رأى وجه والدته في آخر أيامها، وهو ينظر بعيدًا عنها منشغلًا بأمور تافهة. كل تلك اللحظات كانت أمامه، حية وواضحة بشكل مؤلم.
سأل الغريب بصوت هادئ، لكنه يحمل قوة مخيفة:
"هل ترى؟ هل تفهم الآن لماذا أنت هنا؟"
أراد سامر أن يجيب، لكنه لم يعرف ماذا يقول. كانت كل لحظة يشاهدها تشبه طعنة في قلبه، كأن الحاضر الأبدي هذا ليس إلا محكمة تحاسبه على كل ما فعله.
ثم، بدأت المساحة البيضاء تمتلئ بأصوات. أصوات ضحكات، بكاء، صراخ، وأحاديث مبعثرة. كانت الأصوات تأتي من جميع الاتجاهات، وتحيط به كدوامة. فهم سامر أن تلك الأصوات هي بقايا من حياته، من الأشخاص الذين مروا في طريقه وتأثروا به، سواء كان تأثيره خيرًا أو شرًا.
تحدث الغريب مجددًا:
"العالم لم ينتهِ، سامر. لكنه توقف لك، فقط لك، لأنك تحتاج إلى أن تختار. هل تريد الاستمرار بنفس الطريقة؟ أم تريد التغيير؟"
ثم اختفى الغريب، تاركًا سامر وحيدًا في الفراغ. فجأة، ظهر باب خشبي أمامه. كان الباب يبدو قديمًا لكنه يحمل هالة غامضة، وكأن دخوله يعني أكثر من مجرد الانتقال إلى مكان آخر.
اقترب سامر من الباب، لكنه توقف. سمع صوت الغريب مجددًا، لكن هذه المرة كان الصوت داخل رأسه:
"القرار لك. ادخل، وستحصل على فرصة ثانية، لكن بثمن. ابقَ هنا، وستظل عالقًا في هذا الحاضر الأبدي."
شعر سامر بثقل القرار. إذا دخل الباب، فسيضطر إلى مواجهة كل قراراته السابقة وإصلاحها، لكنه لم يعرف كيف أو متى. أما إذا بقي، فسيظل في هذا الفراغ بلا نهاية، بلا ماضٍ ولا مستقبل.
تعليقات
إرسال تعليق