القائمة الرئيسية

الصفحات

من سلسلة " أصوات في العتمة " للكاتب : إدريس ابورزق 

الحلقة الرابعة : الغريب الذي يشبهني

كان يومًا عاديًا، أو هكذا بدا في البداية. نفس الطريق المعتاد، نفس الزحام، نفس الوجوه التي تعبرني بلا اهتمام. لكن في تلك اللحظة، وسط كل هذا الضجيج، رأيته.

لم يكن مجرد رجل غريب. كان أنا.

عينيه، طريقته في الوقوف، حتى ملامحه... كأنني أنظر إلى نسخة أخرى مني، لكنها تعيش حياة مختلفة. شعرت بشيء غريب، مزيج من الفضول والرهبة، وكأن القدر ترك لي رسالة مخفية في هذا اللقاء العابر.

حاولت أن أشيح بنظري، أن أقنع نفسي بأنه مجرد تشابه عادي، لكن عقلي لم يصدق. لم يكن الأمر مجرد ملامح متشابهة، كان هناك شيء أعمق، كأنني رأيت في عينيه قصتي التي لم أعشها.

كان يتحدث مع أحدهم، يضحك، صوته مألوف بشكل غريب، طريقته في الإيماء برأسه تشبهني إلى حد مخيف. وكأنني أراقب نسخة من نفسي، لكن في حياة لم أخترها.
لحظة واحدة، هذا التشابه لم يكن مريحًا... كان مقلقًا.

تراجعت خطوة، وشعرت برغبة غامضة في الرحيل، لكنني في اللحظة الأخيرة، قررّت أن أقترب. لم أكن أعرف ماذا سأقول، لكنني شعرت أنني بحاجة إلى أن أراه عن قرب، أن أتأكد أنني لم أفقد عقلي.

وحين تحركت باتجاهه، استدار فجأة ونظر إلي.

وتجمّدت.

لأن في عينيه، رأيت نفس الصدمة. نفس الدهشة. نفس التساؤل المذعور. وكأنه هو الآخر رأى فيَّ الغريب الذي يشبهه.

لم أقل شيئًا، ولم يقل هو شيئًا. فقط استمرت النظرات لثوانٍ بدت وكأنها زمن بأكمله، ثم التفت، ومضى في طريقه.

لم أحاول أن أتبعه، ولم يحاول أن يعود.

لكنني، ومنذ ذلك اليوم، لم أعد أشعر أنني أنا فقط.

تعليقات