كتب/ أيمن بحر
يمر جنوب لبنان بمرحلة حساسة ودقيقة تعكس تقاطع التوترات الإقليمية والمحلية. مع تمديد مهلة انسحاب الجيش الإسرائيلى من المناطق الحدودية حتى 18 فبراير المقبل يبرز النقاش حول تداعيات هذا الانسحاب وتأثيره على توازن القوى فى لبنان.
فى ظل ذلك يعود حزب الله إلى خطاب المقاومة والانتصار بينما تواجه الدولة اللبنانية تحديات فى تأكيد سيادتها على المناطق الجنوبية وسط استمرار الانتهاكات الإسرائيلية.
بعد انتهاء المهلة الأولى للانسحاب الإسرائيلى المحددة بـ60 يومًا أُعلن تمديد وقف إطلاق النار عبر وساطة أميركية لكن هذا التمديد لم يخلُ من الخروقات الأمنية.الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم أكد التزام الحزب باتفاق وقف إطلاق النار مشيرًا إلى تسجيل أكثر من 1350 خرقًا إسرائيليا.
فى المقابل يشكك رئيس تحرير موقع جنوبية على الأمين خلال حديثه فى مصداقية هذه الأرقام معتبرًا أن هناك لجانًا دولية مسؤولة عن توثيق الانتهاكات.
ويشير الأمين إلى أن حزب الله يحاول استغلال هذه الخروقات لتعزيز خطابه التقليدى لكنه يتجنب التصعيد المباشر مع إسرائيل مدركًا صعوبة المعادلة القائمة.
هذا الخطاب الذى كان يلقى صدى واسعًا فى الماضى لم يعد يحظى بالتأثير نفسه خاصة مع تنامى الأزمات الاقتصادية والسياسية فى لبنان.شهدت المناطق الحدودية فى الجنوب اللبناني مواجهات متقطعة حيث أطلق الجيش الإسرائيلى النار على المدنيين فى بلدات مثل ميس الجبل والظهيرة ما أسفر عن مقتل شخصين وإصابة 17 آخرين.
العودة إلى القرى الجنوبية التى دمرت جزئيًا بفعل الحرب تظل محفوفة بالمخاطر في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلى لبعض المناطق رغم الاتفاق على انسحابها الكامل.
ويرى الأمين أن الوضع الميداني يعكس تناقضات واضحة: الجيش اللبنانى المسؤول عن الانتشار فى الجنوب يجد صعوبة فى استكمال مهامه بسبب العراقيل الإسرائيلية.
فى المقابل يسعى حزب الله لتقديم نفسه كحامٍ للسكان رغم أن الاتفاقات الدولية تُقيّد تحركاته خصوصًا جنوب نهر الليطانى.
حزب الله يصرّ على أن وجوده المسلح فى الجنوب هو ضرورة لمواجهة التهديدات الإسرائيلية. نعيم قاسم وصف الاتفاق على وقف إطلاق النار بأنه انتصار للحزب مشددا على أن إسرائيل فشلت فى القضاء عليه.لكن على الأمين يقدم رؤية مغايرة مشيرًا إلى أن الاتفاق الدولى يُلزم حزب الله بالاعتراف بعدم شرعية سلاحه فى الجنوب ويمنح الولايات المتحدة حق تفسير القرار 1701 مما يحد من قدرة الحزب على المناورة.
الأمين يؤكد أن الحزب يواجه تحديات داخلية كبيرة أهمها تراجع تأثير خطابه فى بيئته الشعبية. غياب الأمين العام حسن نصر الله عن المشهد الإعلامى مؤخرًا أثر سلبًا على زخم الخطاب فيما تبرز دعوات داخلية لإعادة تقييم دور الحزب ضمن الدولة اللبنانية.من الجانب الإسرائيلى تستغل تل أبيب الاتفاقات الدولية لتبرير تصرفاتها فى الجنوب اللبنانى.
صحيفة جيروزاليم بوست كشفت أن وزير الدفاع الإسرائيلى يسرائيل كاتس أبلغ نظيره الأميركى بأن إسرائيل قد تتخذ إجراءات عسكرية ضد إيران وحزب الله إذا اقتضت الحاجة.
فى غضون ذلك تستمر إسرائيل فى تأجيل انسحابها الكامل من الجنوب مبررة ذلك بـ اعتبارات أمنية ما يعطيها مساحة إضافية للتصرف بحرية فى المناطق الحدودية.
فى الخلفية يبرز الدور الإيرانى فى تأجيج خطاب المقاومة عبر حزب الله. المرشد الإيرانى على خامنئى أكد فى تغريدة أن المقاومة حية وستبقى حية معتبرًا أن انتصارات غزة ولبنان جزء من هذا السياق.
إيران تسعى لاستعراض قوتها العسكرية عبر مناورات واسعة النطاق فى الخليج تشمل استخدام صواريخ موجهة بالذكاء الاصطناعى. هذه الرسائل الإيرانية التى تتناغم مع خطاب حزب الله، تُستخدم لتعزيز محور المقاومة لكنها فى الوقت نفسه تزيد من التوترات مع الولايات المتحدة وإسرائيل
الجيش اللبناني يتحمل مسؤولية مباشرة في فرض سيادة الدولة على الجنوب لكن الأمين يرى أن تأخير الانتشار الكامل يفتح المجال أمام إسرائيل لتبرير بقائها فى بعض المناطق. ومع ذلك، يظل الجيش ملتزمًا بتنفيذ بنود الاتفاق الدولى مع تحديد موعد نهائى لاستكمال الانسحاب الإسرائيلى بحلول 18 فبراير.
الدولة اللبنانية التى تواجه ضغوطا داخلية وخارجية لم تظهر أى تقصير فى التعامل مع الوضع. ومع ذلك يحاول حزب الله تصوير الجيش كغير قادر على تحمل المسؤولية الكاملة فى محاولة لتعزيز دوره فى الجنوب.الوضع الراهن يعكس أزمة مزدوجة: على الصعيد الأمنى يعانى الجنوب من انتهاكات إسرائيلية مستمرة، بينما يتصاعد التوتر السياسي بين الأطراف الداخلية. حزب الله الذى كان يُنظر إليه كرمز للمقاومة أصبح محور انتقادات بسبب استمراره فى احتكار هذا الدور مما يؤدى إلى مزيد من الأزمات للبنان.
من ناحية أخرى ترى القاعدة الشعبية للحزب خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية الخانقة أن التصعيد العسكرى لم يعد خيارًا مقبولًا. هذا يضع الحزب أمام اختبار صعب: هل يمكنه التوفيق بين خطابه التقليدى ومتطلبات المرحلة الجديدة؟
لبنان أمام مفترق طرق حاسم. مع اقتراب الموعد النهائى لانسحاب الجيش الإسرائيلى يحتاج البلد إلى توحيد الجهود بين الجيش اللبنانى وحزب الله لتعزيز الأمن والاستقرار فى الجنوب. لكن هذا يتطلب أيضا إعادة تقييم دور المقاومة فى ظل المتغيرات الحالية.
تعليقات
إرسال تعليق