القائمة الرئيسية

الصفحات

من سلسلة: صوت الحياة عبر مراحل العمر للكاتب إدريس ابورزق  

الحلقة الرابعة : وسادة الثلاثينيات

كانت وسادة الثلاثينيات صامتة، لكن على سطحها آثار قصص طويلة: بقع صغيرة من الدموع القديمة، خطوط طيات تشير إلى الليالي التي نام فيها صاحبها بقلق، وعطر باهت تلاشى مع الزمن. في تلك المرحلة من الحياة، كانت الوسادة أشبه بمرآة تحمل في أعماقها مزيجًا من الطموحات الكبيرة والتحديات التي تبدأ بصقل الإنسان.

"رُبى" كانت قد اقتربت من عامها الرابع والثلاثين. في تلك الليلة ألقت بجسدها المُتعَب على السرير، كما لو أن الأيام بأكملها كانت تثقل كتفيها. غاص رأسها في الوسادة، وأغمضت عينيها محاولةً طرد كل الأفكار التي تهاجمها. لكن كعادتها، الكلمات تسللت من شفتيها كاعترافٍ خجول:
"لماذا يبدو أن كل شيء يتأخر؟"

لم تُجب الوسادة، كما هو حالها، لكنها شعرت بحرارة الدموع التي بللت أطرافها. كانت رُبى تتحدث عن أحلامها التي تخشى ألا تتحقق: الوظيفة التي انتظرتها ولم تأتِ، المنزل الذي تمنت أن تبنيه ولم يكتمل، وحتى الحب الذي كان حلمًا يطارده الواقع ولم يتحقق بعد.

تتذكر رُبى صوت صديقاتها وأحاديثهن، بعضهن وصلن إلى ما أردن، وبعضهن يرفعن شعارات "الرضا" رغم الحسرات الخفية. شعرت بأنها محاصرة بين الزمن الذي يمضي سريعًا، والقلب الذي لا يزال يشتعل بالأمل. همست للوسادة بصوت متقطع:
"هل أنا مخطئة؟ هل كان عليّ القبول بما هو أقل؟"

مرت لحظات طويلة من الصمت قبل أن تتكلم مرة أخرى. هذه المرة بصوت أقرب إلى العزم، كأن الوسادة بحد ذاتها استمعت جيدًا وقالت ما لا يُقال.
"لكن… لم ينتهِ كل شيء بعد. حتى وإن كان الحلم متأخرًا، فأنا ما زلت أنا… أليس كذلك؟"

تنهدت، وببطء أغمضت عينيها، بينما ذكريات قديمة عن حلم الطفولة والعشرينيات المليئة بالشغف مرّت في بالها. شعرت الوسادة بارتخاء جسدها قليلاً، كأنها سلمت بعضًا من أعبائها لهذه اللحظة الصغيرة.

كانت وسادة الثلاثينيات تشهد دائمًا هذه الصراعات الداخلية. لم تكن هذه المرحلة سهلة؛ إنها تقف عند مفترق طرق حيث يلتقي الحلم بالواقع، وتظهر فيها الأسئلة التي تحفر في الأعماق. لكن وسط كل ذلك، كانت الوسادة تعرف أن روح الإنسان في الثلاثينيات لا تستسلم بسهولة، لأنها تبدأ بإعادة تعريف النجاح والسعادة بطرق جديدة، خارج التوقعات وخارج الزمن.

وسادة الثلاثينيات لم تكن مجرد وسيلة للراحة، بل كانت مأوى لأسئلة مصيرية، لحظات مواجهة الذات، ومساحة لأملٍ قد يكون متأخرًا، لكنه يحمل قوة الاستمرار.

تعليقات