الحلقة الثانية : وسادة المراهقة
كانت وسادة المراهقة وردية اللون، يغطيها قماش ناعم تبدو عليه آثار الاستخدام الطويل، تحيط بها خصلات شعر سوداء تتساقط بلا انتباه. لم تكن الوسادة مجرد مكان للراحة، بل صارت مستودعًا لكل تلك الأسرار التي لا تبوح بها المراهقة لأي أحد.
"سعاد" كانت دائمًا تلقي رأسها على الوسادة وكأنها تترك فيها أعباء يومها الطويل. كانت في السادسة عشرة من عمرها، تحلم بعيون مفتوحة وتبحث عن تفاصيل مستقبل لم يتشكل بعد. في تلك الليلة، كان قلبها يخفق بشدة، كما لو أن شيئًا غريبًا ينمو بداخله.
وضعت رأسها على الوسادة وهمست:
"لماذا لا أستطيع إخراجه من رأسي؟ لقد ابتسم فقط… مجرد ابتسامة، لكنها كانت كافية لتربكني."
الوسادة صمتت، كالعادة، لكنها شعرت باضطراب الأنفاس وببريق مختلف في عيني سعاد. كانت الكلمات تتدفق كأنها أمواج تخفي في طياتها سر الحب الأول. في كل يوم، كانت سعاد تحدث الوسادة عن لحظات اللقاء العابر: كيف التقت عيناها بعيونه، كيف سمعت صوته رغم الضجيج، وكيف خفق قلبها بطريقة لم تفهمها بعد.
"أتعرفين، وسادتي؟ أحيانًا أتمنى أن أكون مثل النجوم، بعيدة… ولامعة، لكي يراها دائمًا." قالتها سعاد بصوت ملؤه الحلم.
عندما تنهمر دموع سعاد في ليالٍ أخرى، كانت الوسادة تعرف أن تلك الدموع تحمل ألمًا لا يمكن التحدث عنه علانية. كان حب المراهقة أشبه بريشة ملونة تُلوّن الحياة بلحظات من الفرح والخوف والارتباك، لكنه أيضًا يترك علامات خفية قد لا تظهر إلا على الوسادة.
في أحد الأيام، وقبل أن تغفو، قالت سعاد بحزن:
"لكن، ربما أنا أتوهم. ربما لا يلاحظني أصلاً…"
لم تقل الوسادة شيئًا، لكنها شعرت بقطرة دموع ساخنة تتسرب إليها. تلك القطرات الصغيرة كانت تحمل كل الحيرة والمشاعر التي تفجرت داخل قلب مراهقة تكتشف الحب لأول مرة.
ومع ذلك، كانت الوسادة تعرف أن هذه مرحلة عابرة. ففي كل مساء جديد، كانت تزداد قصص الحب جمالًا وحيوية، وكأن الوسادة تجمع أطياف الكلمات لتبني بها أرشيفًا لعالم المراهقة، الذي يفيض بالحلم ويواجه الحياة للمرة الأولى.
تعليقات
إرسال تعليق