القائمة الرئيسية

الصفحات

من سلسلة " الوجوه المتصدعة للحياة " الكاتب: إدريس ابورزق 

الحلقة الثانية : خطايا الفضيلة

"لا أحد يفعل الخير لوجه الخير فقط."
ترددت هذه العبارة في عقل "ليلى" بينما كانت تقف أمام المرآة، تعدّل خصلات شعرها بعناية. لم يكن صباحًا عاديًا، بل صباحًا مشبعًا بنشوة الانتصار. اليوم ستظهر على شاشة التلفاز كرمز للإنسانية، المرأة التي كرّست حياتها لمساعدة الفقراء، الناشطة التي تحارب الظلم، الوجه المضيء للفضيلة.

لكن هناك شيء لم يكن على ما يرام.

تقدّمت خطوة نحو المرآة، حدّقت في عينيها طويلًا. كانتا جميلتين، داكنتين، لكنهما تحملان شيئًا لا يعرفه الآخرون... ظلًّا خفيًا، همسًا خافتًا، سؤالًا مزعجًا:
"لماذا تفعلين هذا؟"

قبل سنوات، لم تكن ليلى امرأة "فاضلة". كانت فتاة عادية، تطمح لحياة أفضل، لحب مثالي، لمكانة تجعلها محط أنظار الجميع. ثم جاء ذلك اليوم الذي غيّر كل شيء...

كانت تقف عند الإشارة الضوئية عندما رأت طفلًا صغيرًا يمد يده متوسلًا. جسده نحيل، عيناه تلمعان برجاء لا تحتمله. شعرت بشيء لم تجربه من قبل: إحساس ساحق بالتفوّق.

انحنت وأعطته بعض النقود، لكن ما شعرت به لم يكن الشفقة، بل نشوة. نظرة الامتنان في عينيه جعلتها تشعر بشيء يشبه السيطرة، وكأنها إلهة تمنح وتمنع.

ومن هنا بدأ كل شيء.

بدأت ليلى تتبرع أكثر، تتحدث عن الخير، تلتقط الصور مع الأطفال المحتاجين، تبكي أمام الكاميرات وهي تحكي قصصًا عن الإنسانية. أحبها الناس، رأوا فيها نموذجًا نقيًا، ملائكيًا.

لكنها في أعماقها عرفت الحقيقة. لم يكن هذا نقاءً، بل جوعًا. جوعًا لأن تُحَب، لأن تُرى، لأن تكون فوق الجميع في فضيلتها.

في إحدى الليالي، بينما كانت تجلس في مكتبها الفخم تتصفح تعليقات الإعجاب على صورتها الأخيرة مع فتاة يتيمة، جاءها اتصال:

"ليلى، لدينا حالة طارئة، عائلة مشردة بحاجة لمساعدتك فورًا."
صمتت للحظة، ثم سألت ببرود: "هل هناك صحافة تغطي القصة؟"

"لا، الأمر عاجل، لا وقت لذلك."

"إذن، أرسل لهم مبلغًا بسيطًا من التبرعات، وأخبرهم أنني منشغلة."

وأغلقت الهاتف.

شعرت بوخزة في قلبها، لكنها سرعان ما تجاهلتها. الخير الذي لا يُرى، لا يهم.

لكن كل شيء انهار يوم قابلت "سلمى".

سلمى لم تكن مثل الآخرين. لم تتأثر بابتسامة ليلى، لم تصفق لها، لم تتوسل لمساعدتها. بل نظرت إليها مباشرة وقالت:

"لماذا تفعلين كل هذا؟"

أجابت ليلى بحزم: "لأساعد الناس."

"أم لتساعدي نفسك؟"

كلماتها ضربت ليلى كصفعة. حاولت أن تنكر، أن تسخر، لكنها شعرت أن سلمى اخترقت القناع، رأت الظلّ الذي تحاول إخفاءه.

وفي تلك الليلة، وقفت ليلى أمام المرآة مجددًا، لكن هذه المرة لم تستطع مواجهة انعكاسها.

في اليوم التالي، أعلنت استقالتها من العمل الخيري. لم تقدم مبررات، لم تبرر، فقط اختفت.

أصبحت مجرد اسم كان يومًا ما رمزًا للفضيلة. لكنها عرفت الحقيقة: الخير الذي تفعله لم يكن نقاءً، بل خطيئة مغلفة بالنوايا الحسنة.

وفي أعماقها، تساءلت للمرة الأولى:
"هل هناك خير حقيقي، أم أن كل فضيلة تحمل في طياتها خطيئة خفية؟"

تعليقات