القائمة الرئيسية

الصفحات

من الثورة إلى المأساة المستمرة

بقلم: علي فتحي 
لم يكن سقوط النظام السوري أو ما بدا وكأنه انهيار تدريجي له سوى بداية لمرحلة جديدة أكثر تعقيدًا وألمًا في تاريخ سوريا الحديث فالمشهد الذي توقعه البعض كخلاص للشعب السوري تحول إلى كابوس يتجسد في صراعات متطرفة وحروب أهلية لا نهاية لها وأحلام تبددت أمام أعين العالم وفي ظل حالة التشرذم التي أصابت المعارضة السورية وتغلغل الفصائل المسلحة ذات الأجندات المتطرفة تحولت سوريا من ساحة ثورة تطالب بالحرية والديمقراطية إلى دولة فاشلة تمزقها الميليشيات والصراعات الأيديولوجية ، فهيئة تحرير الشام التي كانت في السابق جزءًا من المعارضة استغلت هذا الوضع وفرضت سيطرتها على إدلب ومناطق أخرى محولةً البلاد إلى نسخة جديدة من الأنظمة القمعية ولكن بلباس ديني متشدد ليناهض إيران .
ومع سيطرة هيئة تحرير الشام على مؤسسات مثل وزارة الدفاع والإعلام ورئاسة الوزراء أصبحت سوريا في قبضة نظام جديد لا يقل بطشًا عن النظام السابق ، الإعدامات الميدانية والسجون المكتظة بالمعارضين والقمع الممنهج هي العناوين البارزة لهذه المرحلة وكل ذلك وسط غياب أي رؤية واضحة للمعارضة السورية التي أثبتت مرارًا وتكرارًا فشلها في بناء مشروع وطني جامع .
والأخطر من ذلك هو الأيديولوجيا المتطرفة التي تروج لها الهيئة والتي تستهدف تشكيل جيل جديد يحمل نفس الفكر المتشدد من خلال المناهج الدراسية والخطاب الإعلامي وحتى الأناشيد الجهادية فهى تعمل على غرس بذور الكراهية والتعصب في عقول الأطفال ، وهذا النهج لا يهدد فقط التنوع الثقافي والديني الذي طالما ميز سوريا بل يشكل خطرًا على مستقبل البلاد بالكامل  
وفي الوقت الذي يحتفل فيه البعض بسقوط نظام الأسد تظهر مظاهر جديدة للقمع والاضطهاد الاعتصامات أمام سجون إدلب مثل سجن قاح والمناشدات التي تطلقها النساء السوريات لإنقاذ المعتقلين فى سجون المعارضة تعكس حجم المأساة التي يعيشها الشعب السوري اليوم و المفارقة أن هذه السجون هى التي تديرها هيئة تحرير الشام وقد أصبحت أسوأ من سجون النظام الذي خرج الشعب ضدّه في البداية ، كما إن اختيار محمد البشير كوزير في حكومة الجولاني رغم انها خطوة محسوبة لجذب الداخل والخارج يكشف نوايا الجولاني الحقيقية فالهدف ليس بناء دولة عادلة تضمن حقوق الجميع بل تعزيز سلطته وفرض أجندة متطرفة تتجاهل تطلعات الشعب السوري ، فالواقع الحالي في سوريا يعكس فشل الجميع وما يحدث الآن ليس فقط مأساة إنسانية بل جريمة بحق تاريخ سوريا ومستقبلها بين قمع النظام السابق وتطرف الهيئة الحالية فيبدو أن الشعب السوري ما زال يبحث عن بارقة أمل في نفق مظلم وطويل.
النداء الأخير هو للسوريين أنفسهم لأن يستفيقوا من نشوة اللحظة ويقفوا معًا في وجه كل من يحاول سرقة حلمهم بوطن حر ومستقل .

تعليقات