أنا ضادك، صوتك الأصيل
في يومٍ مشرق، جاء صوت خافت من بين حروف كتاب مهترئ مكدس في زاوية مكتبة مهملة. كان الصوت دافئًا، شامخًا، لكنه يحمل في أعماقه مزيجًا من الفخر والحنين، كأن صاحبه لغة توقفت للحظة لتسرد حكايتها. "أنا الضاد، أنا لسانكم الذي ينطق الحياة ويُثريها."
تحدثت اللغة العربية في ذلك اليوم، يومها العالمي، كأنها استيقظت من غفوة طويلة لتخاطب أبناءها. قالت:
"أنا الصوت الذي ولد من رحم الصحراء، فتنسّم فيه البدويون الحكمة وغنّى الشعراء الحب والخيل والمطر. ولدت قوية، صافية، ثرية، أمتد مثل الواحات في قلب الفيافي."
استرجعت تلك اللغة ذكرى المجالس التي اعتلتها أصوات الشعراء في سوق عكاظ. كيف كانت الكلمات أشبه بسيوف متشابكة؛ بليغة في معانيها، ومليئة بوميض التحدي. "تحدثت عن الكرامة، عن المحبة، وعن الأرض. كنت زاد الحالمين ومنبر العاشقين. على لساني قال قيس كلمات هزت الصحراء: أمرّ على الديار ديار ليلى... أُقبّل ذا الجدار وذا الجدارا."
لكن مع كل ذلك الفخر، بدت حروفها مثقلة بحزن صامت. تابعت بصوت متقطع:
"لكنني الآن، يا أبنائي، أشعر بالوحدة أحيانًا. أسير في شوارعكم فأسمع لغات غريبة تشاركني الحديث، فأختبئ خوفًا من أن يظنوا أنني غريبة عنهم. أتسلل إلى شاشات أجهزتكم، فلا أجدني بين مفرداتها. أخشى أن يضيع صوتي وسط أصوات أخرى."
لكنها سرعان ما استعادت قوتها، وقالت بفخر:
"ومع ذلك، أنا أقاوم. أنا باقية في القلوب التي لا تزال تُنشد الشعر على مسامعي. في الأقلام التي تخط بأحرفي عبارات الحُب والحُلم. في كتب المدارس، حيث يتعلم الصغار أنني لغة القرآن، وحرفي هو مفتاح معجزته الأزلية. سأظل هنا، حتى لو مرت الرياح والعواصف، لأن من يحملني في قلبه لن يدعني أسقط."
وفي ذلك اليوم، حمل الأطفال في أيديهم دفاترهم، وراحوا يرسمون فيها الحروف، يكتبونها بدقة وافتخار. كان العالم كله يحتفل بتلك اللغة العريقة، بحرف الضاد الذي تفرد به أبناؤها دون العالمين. شعر الكتاب المهترئ في المكتبة وكأن صوته بلغ كل ركن. صرخت اللغة العربية بفخر:
"أنا الضاد التي تميزكم، أنا صوت عروبتكم. احتفلوا بي ليس فقط اليوم، بل كل يوم حينما تختارون أن تكونوا أنتم، أبناء هوية تعتز بنفسها."
ومع غروب الشمس، امتلأ العالم بأصوات تتحدث الضاد ببلاغة وجمال. كأنما في هذا اليوم عادت اللغة، قوية وشامخة، تقول بكل حب:
أنا لكم، وأنا بكم أبقى.
تعليقات
إرسال تعليق